ل «إنّ» فمنهم من يجيزه ومنهم من يمنعه، والمانعون يؤوّلون الجملة الإنشائية الواقعة خبرا ل «إن» بجملة خبرية، أو يعتبرونها مقولة لقول محذوف. انظر الشاهد رقم [١٠٠١] من كتابنا فتح القريب المجيب، وهذا نصه:[البسيط]
إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
والشاهد رقم [١٠٠٢] منه، وهذا نصه:[الرجز]
إنّي إذا ما القوم كانوا أنجيه... واضطرب القوم اضطراب الأرشيه
هناك أوصيني ولا توصي بيه
ولم يتعرّض ابن هشام-رحمه الله تعالى-لدخول الفاء في خبر «إنّ» أو إحدى أخواتها، والذي تعرض لذلك الأشموني-رحمه الله تعالى-حيث قال: وإذا دخل شيء من نواسخ الابتداء على المبتدأ؛ الذي اقترن خبره بالفاء؛ أزال الفاء؛ إن لم يكن (إنّ، أو أنّ، أو لكنّ) بإجماع المحقّقين، فإن كان (إنّ، أو أنّ، أو لكنّ) جاز بقاء الفاء. نصّ على ذلك في «إنّ، وأنّ» سيبويه، وهو الصحيح الذي ورد القرآن المجيد به، وأورد آيات كثيرة، من جملتها الآية التي نحن بصدد شرحها، وإعرابها. فأنت ترى: أن البيضاوي-رحمه الله تعالى-قد نقل عن سيبويه عكس ما ذكره الأشموني، والمنقول عن الأخفش-رحمه الله تعالى-: أنه هو الذي منع دخول الفاء الزائدة على خبر المبتدأ المنسوخ بأيّ ناسخ كان. وقد أطلت عليك في هذه المسألة لأحيلك على هذه الآية كلّما عرض لنا شيء من هذا القبيل. تأمّل، وتدبّر، وربك أعلم. وانظر الآية رقم [٩٠] الآتية.
الشرح:{أُولئِكَ الَّذِينَ} إلخ: أي: المتصفون بتلك الصفات القبيحة، وهم اليهود؛ الذين قتلوا الأنبياء، والذين أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر. والنصارى؛ الذين رفضوا الإسلام، ويلحق بهم الوثنيون من العرب في كلّ زمان، ومكان. {حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ:} بطلت أعمالهم الصالحة، من صدقة، وحسن جوار، وصلة رحم، وغير ذلك، فلا يجدون لها أجرا، وثوابا في الدّنيا، ولا في الآخرة. بسبب كفرهم بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم. وقد بيّن الله سبحانه في سورة (النور) رقم [٣٩] وفي سورة (الفرقان) رقم [٢٣]: أن أعمال الكفار الصّالحة في نظرهم إنّما هي كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وهي هباء منثور، لا قيمة لها عند الله، ولا تنفع أصحابها شيئا. {وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} أي: مانعين يمنعونهم من عذاب الله تعالى.