للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)}

الشرح: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} أي: التوراة، وهو أول كتاب نزلت فيه الفرائض، والحدود، والأحكام. {مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى} أي: قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب. وقيل: أي: من بعد إهلاك فرعون، وقومه. قال أبو سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما أهلك الله قوما، ولا قرنا، ولا أمّة، ولا أهل قرية بعذاب من السّماء، ولا من الأرض منذ أنزل التّوراة على موسى غير القرية الّتي مسخت قردة، ألم تر إلى قوله:

{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ..}. إلخ».

قال الجمل نقلا من أبي السعود: -رحمهما الله تعالى-: التعرض لكون إيتاء التوراة بعد إهلاك الأمم الماضية، للإشعار بمسيس الحاجة الداعية إليها؛ تمهيدا إلى إنزال القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فإن إهلاك القرون الأولى من موجبات اندراس معالم الشرائع، وانطماس آثارها، وأحكامها المؤدّيين إلى اختلال نظام العالم، المستدعيين للتشريع الجديد، بتقرير الأصول الباقية على مر الدهور، وترتيب الفروع المتبدلة بتبدل العصور، وتذكير أحوال الأمم الخالية الموجبة، كأنه قيل: ولقد آتينا موسى التوراة على حين حاجة إليها. وقوله: {بَصائِرَ لِلنّاسِ} أي: أنوارا لقلوبهم، تبصر بها الحقائق، وتميز بين الحق والباطل، بعد أن كانت عميا عن الفهم والإدراك بالكلّية، فالبصيرة نور القلب الذي يستبصر به، كما أنّ البصر نور العين الذي به تبصر. انتهى. هذا؛ وبصائر جمع: بصيرة، وهي: العقل، والفطنة، والعبرة، والشاهد، والحجة. يقال: جوارحه بصيرة عليه، أي: شهود، وفراسة ذات بصيرة، أي: صادقة.

هذا؛ وقد قال الله تعالى في حق القرآن الكريم: {هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الآية رقم [٢٠٣] من سورة (الأعراف)، وقال أيضا جل ذكره: {قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ..}. إلخ الآية رقم [١٠٤] من سورة (الأنعام). {وَهُدىً وَرَحْمَةً} أي: رشد، وبيان، وهداية من الضلال، ونعمة شاملة لمن قرأ التوراة، وانتفع بها. هذا؛ والترجي في هذه الآية، وأمثالها إنما هو بحسب عقول البشر؛ لأن الله تعالى، لا يحصل منه ترج ورجاء لعباده، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

الإعراب: {وَلَقَدْ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، تقديره: والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال.

{آتَيْنا:} فعل، وفاعل. {مُوسَى:} مفعول به أول. {الْكِتابَ:} مفعول به ثان. {مِنْ بَعْدِ:}

جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من: {الْكِتابَ}. {ما:}

<<  <  ج: ص:  >  >>