للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لتعلمن) على اعتباره متعديا لواحد فقط، ويكون الكلام على مثال قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا} من سورة (مريم) عليها السّلام، وجملة: {وَلَتَعْلَمُنَّ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا؛ لأنها جواب لقسم مقدر أيضا، بعد هذا فالآية بكاملها في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢)}

الشرح: {قالُوا} أي: السحرة لفرعون. {لَنْ نُؤْثِرَكَ:} لن نختارك. {عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ:}

من المعجزات الواضحات. وانظر ما رأوا في الآية قبل السابقة. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-:

يريد ما جاءنا من العلم واليقين. {وَالَّذِي فَطَرَنا} أي: لا نختارك على الذي خلقنا، وإنما أخروا ذكره تعالى؛ لأنه من باب الترقي من الأدنى، إلى الأعلى. {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ} أي: فاصنع ما أنت صانعه، وافعل ما أنت فاعله من القطع والصلب، ونحوهما. {إِنَّما تَقْضِي..}. إلخ: إنما تصنع ما تريد، وتهواه في أمور هذه الحياة الدنيا، وسيزول عن قريب، وقد زال بعونه تعالى.

بعد هذا انظر {الْقَوْلُ} في الآية رقم [١٦] من سورة (الإسراء)، وشرح: (قضينا) في الآية رقم [٤] منها، ولقد وصف الله تعالى في هذه الآية وغيرها الحياة التي يحياها ابن آدم بالدنيا لدناءتها، وحقارتها، وأنها لا تساوي عنده جناح بعوضة، ورحم الله الحريري إذ يقول: [الكامل]

يا خاطب الدّنيا الدّنيّة إنّها... شرك الرّدى، وقرارة الأكدار

دار متى ما أضحكت في يومها... أبكت غدا تبّا لها من دار

أو هي من الدنو، وهو القرب؛ لأنها في متناول يد الإنسان ما دام حيا.

أما أصل «قاض» فهو: قاضي بكسرة على الياء علامة للجر، أو بضمة علامة للرفع، وبتنوين الصرف، لكن استثقلت الكسرة، أو الضمة على الياء بعد كسرة، فسكنت الياء، فالتقى ساكنان:

الياء والتنوين، فحذفت الياء لعلة الالتقاء، وبقيت الضاد مكسورة على ما كانت عليه قبل الإعلال، فقيل: قاض بالكسرة، وإنما لم يقل بالرفع لأن الياء محذوفة لعلة الالتقاء، فهي كالثابتة، فتمنع الرفع للضاد، وهكذا قل في إعلال كل اسم منقوص مجرد من ال، والإضافة، سواء كان ثلاثيا، أم رباعيا؟

الإعراب: {قالُوا:} فعل، وفاعل، والألف للتفريق. وانظر الآية رقم [٢٦] من سورة (مريم).

{لَنْ:} حرف نفي، ونصب، واستقبال. {نُؤْثِرَكَ} مضارع منصوب ب‍: {لَنْ} والفاعل مستتر تقديره: «نحن»، و (نا): مفعول به. {عَلى ما:} متعلقان بما قبلهما، و {ما} تحتمل الموصولة،

<<  <  ج: ص:  >  >>