الشرح:{أُولئِكَ..}. إلخ: الإشارة إلى المذكورين في الآية السابقة. {لَعَنَهُمُ اللهُ:}
أبعدهم من رحمته. {وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ:} يطرده من رحمته، ويبعده من رضوانه. {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً:} مانعا يمنعه من العذاب بشفاعة، أو غيرها. هذا؛ و (تجد) ماضيه: وجد، والمضارع أصله: يوجد، فحذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها، وهما: الياء، والكسرة في مضارع الغائب يجد، وتحذف من مضارع المتكلم، والمخاطب قياسا عليه.
هذا؛ وقد أمر الله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل اللّعنة على الكاذبين في سورة (آل عمران) ولقد كرّر لعن الكافرين في سورة (البقرة) وهنا لعن اليهود المعادين للرسول صلّى الله عليه وسلّم وللإسلام، كما لعن الظّالمين، والفاسقين والنّاقضين للعهد في آيات متفرّقة، وهو دليل قاطع على أنّ من مات على كفره، فقد استحقّ اللّعن من الله، والملائكة، والنّاس أجمعين، وأمّا الأحياء من الكفّار؛ فقد قال بعض العلماء: لا يجوز لعن كافر معيّن؛ لأنّ حاله لا يعلم عند الوفاة، فلعله يؤمن، ويموت على الإيمان. وقد قيّد الله تعالى في الآية رقم [١٦١] من سورة (البقرة) إطلاق اللعنة على من مات على الكفر. ويجوز لعن الكفار جملة بدون تعيين، كما في قولك: لعن الله الكافرين، يدل عليه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشّحوم، فجمّلوها، وباعوها». وذهب بعضهم إلى جواز لعن إنسان معيّن من الكفار، بدليل قتاله، وهو الصّحيح، كيف لا؟! وقد لعن حسّان بن ثابت-رضي الله عنه-أبا سفيان، وزوجه هندا في شعره، ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، خذ قوله:[الكامل]
لعن الإله وزوجها معها... هند الهنود طويلة البظر
وقد لعن الفاروق-رضي الله عنه-أبا سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السّلمي وغيرهم، الّذين قدموا المدينة المنورة بعد غزوة أحد، وقد أعطاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الأمان على أن يكلّموه، فقام معهم جماعة من المنافقين، وقالوا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ارفض ذكر آلهتنا بسوء، وقل: إنّ لها شفاعة لمن عبدها، وندعك وربّك. فشقّ ذلك على سيد الخلق، وحبيب الحق، فقال له الفاروق: يا رسول الله! ائذن لي في قتلهم. فقال:«إنّي أعطيتهم الأمان». فقال الفاروق:
اخرجوا في لعنة الله، وغضبه، ولم ينكر عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك، كيف لا؟! وآية (النّور) رقم [٧] تأمر المسلم أن يلعن نفسه إن كان من الكاذبين.
وأمّا العصاة من المسلمين؛ فلا يجوز لعن واحد منهم على التعيين قطعا، وأمّا على الإطلاق، فيجوز كما في قولك: لعن الله الفاسقين، والفاسقات... إلخ؛ لما روي: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لعن الله السّارق يسرق البيضة، فتقطع يده». ولعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الواشمة،