سورة (النصر) مدنية بالإجماع، وتسمى سورة (التوديع) وهي ثلاث آيات، وسبع عشرة كلمة، وسبعة وسبعون حرفا. انتهى. خازن. قال القرطبي: وهي آخر سورة نزلت جميعا. قاله ابن عباس في صحيح مسلم، أقول: نزل بعدها آيات متفرقات، وآخر آية نزلت على قلب الرسول صلّى الله عليه وسلّم آية (البقرة) وهي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}.
الشرح:{إِذا جاءَ..}. إلخ: يعني: إذا جاءك النصر يا محمد نصر الله، ومعونته على من عاداك، وهم قريش. ومعنى مجيء النصر: أن جميع الأمور مرتبطة بأوقاتها، يستحيل تقدمها عن وقتها، أو تأخرها عنه، فإذا جاء ذلك الوقت المعين؛ حضر معه ذلك الأمر المقدر. فلهذا المعنى. قال:{إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} يعني: فتح مكة في قول جميع المفسرين، والفرق بين النصر والفتح: أن النصر هو الإعانة، والإظهار على الأعداء، وهو تحصيل المطلوب، وهو كالسبب للفتح، ولهذا بدأ بذكر (النصر) وعطف عليه (الفتح). وقيل: النصر: هو إكمال الدين، وإظهاره، والفتح هو الإقبال الذي هو تمام النعمة. انتهى. خازن.
هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: و {إِذا} بمعنى قد؛ أي: قد جاء نصر الله؛ لأن نزولها بعد الفتح، ويمكن أن يكون معناه: إذا يجيئك. أقول: ولا وجه له، بل إن التعبير على حقيقته، وهو من التعبير بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه، وهذا كثير مستعمل في القرآن الكريم، وقد نبهت إليه مرارا.
{وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً} أي: زمرا، وأرسالا، القبيلة بأسرها، والقوم بأجمعهم من غير قتال. قال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: لما فتح الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم مكة؛ قالت العرب بعضها لبعض: إذا أظفر الله محمدا بأهل الحرم، وكان قد أجارهم من أصحاب