مثل إعراب سابقه. {بَعْدَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، و {بَعْدَ} مضاف، و {ذلِكَ} اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {فَلَهُ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (له): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم.
{عَذابٌ:} مبتدأ مؤخر. {أَلِيمٌ:} صفة له، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط، وتتمة الكلام مثل ما قبله بلا فارق.
{وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)}
الشرح:{الْقِصاصُ} انظر الآية السابقة. {حَياةٌ:} بقاء عظيم، وهذا كلام في غاية الفصاحة، والبلاغة من حيث جعل الشيء محلّ ضدّه، وعرّف {الْقِصاصُ} ونكّر الحياة؛ ليدلّ على أن في هذا الجنس من الحكم نوعا من الحياة عظيما، وذلك لأن العلم به يردع القاتل عن القتل، فيكون سبب حياة نفسين، ولأنهم كانوا يقتلون غير القاتل، ويقتلون الجماعة بالواحد، فتثور الفتنة بينهم، فإذا اقتصّ من القاتل؛ سلم الباقون، ويصير ذلك سببا لحياتهم. انتهى بيضاوي. وهذا الحكم غير مختص بالقصاص الذي هو القتل، بل يدخل فيه جميع الجروح، والشّجاج، وغير ذلك؛ لأن الجارح إذا علم أنّه إذا جرح؛ جرح؛ لم يجرح، فيصير ذلك سببا لبقاء الجارح، والمجروح، وربما أفضت الجراحة إلى الموت، فيقتص من الجارح، وانظر ما ذكرته في سورة (المائدة) رقم [٣٨] تجد ما يسرك.
وقيل في معنى الآية: إنّ الحياة: سلامته من قصاص الآخرة، فإنّه إذا اقتصّ منه في الدنيا؛ لم يقتص منه في الآخرة، وفي ذلك حياته، وإذا لم يقتصّ منه في الدنيا؛ اقتص منه في الآخرة.
انتهى خازن. وهذا لا يناسب معنى الآية، ولكن صريح قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«من عوقب في الدّنيا؛ فهو كفّارة له» هو الذي يفيد ما ذكرته، وانظر سورة (المائدة) آية [٣٣].
هذا؛ وقد اتّفق علماء البيان على أنّ هذه الجملة:{وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ} بالغة أعلى درجات البلاغة. ونقل عن العرب في هذا المعنى قولهم:«القتل أنفى للقتل» ولكن شتّان ما بين الآية الكريمة من البلاغة، وبين قول العرب، فقد جعلت الآية الكريمة سبب الحياة القصاص، وهو القتل عقوبة على وجه التماثل، وقول العرب جعل سبب الحياة القتل، ومن القتل ما يكون ظلما، فيكون سببا للفناء، وتصحيح العبارة أن يقال: القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما. والآية الكريمة جاءت خالية من التكرار اللفظي، وقول العرب كرر فيه لفظ (القتل) فمسّه بهذا التكرار من الثقل ما سلمت منه الآية. وقد ذكر وجوه كثيرة من التفريق بين الآية الكريمة، واللفظة العربية، وقد ذكرها السّيوطي في الإتقان. وانظر ما ذكرته في قوله تعالى في سورة (الأنبياء) آية [٢٣]: {لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ}.