للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠)}

الشرح: {أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ..}. إلخ: قد كرر الله الوعيد في الجمل الأربع المتقدمة {فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ..}. إلخ للتوكيد.

ومعنى {أَعَدَّ} هيأ، وأحضر. وجمع الضمير في: {لَهُمْ؛} لأنه عائد على أهل قرية، والمراد -والله أعلم-أهالي قرى كثيرة.

{فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ... :} خصهم الله بهذا الأمر؛ لأن أصحاب العقول السليمة، والقلوب الفاهمة هم الذين يستجيبون للأمر، وينتفعون بالموعظة، والنصيحة، ولذا أبدل منهم {الَّذِينَ آمَنُوا} ليتحقق هذا المعنى منهم. {قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً..}. أي: وحيا يتلى، وهو القرآن الحكيم. واختار بعض المفسرين: أن المراد بالذكر هو الرسول صلّى الله عليه وسلّم، بدليل أنه أبدل منه قوله:

(رسولا) وإليه ذهب الطبري، وأبو السعود. واختار الأول ابن عطية، وصاحب البحر المحيط.

وقال الكلبي: المراد بالرسول: جبريل عليه السّلام، فيكونان جميعا منزلين. وقيل: الذكر هنا:

الشرف، نحو قوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [١٠]: {لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ... ،} وقوله تعالى في سورة (الزخرف) رقم [٤٤]: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ..}. انظر شرح الايتين في محلهما؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا؛ و (أولو) بمعنى: أصحاب، وهو جمع لا واحد له من لفظه، وإنما واحده «ذو» المضاف إن كان مرفوعا، و «ذا» المضاف إن كان منصوبا، و «ذي» المضاف إن كان مجرورا، و {الْأَلْبابِ} العقول، أو القلوب واحده: لبّ، وهو: العقل الخالي من الهوى، سمي بذلك لأحد وجهين: إما لبنائه من: لبّ بالمكان: أقام به، وإما من اللّباب، وهو الخالص من كل شيء. هذا؛ والملاحظ: أنه لم يرد في القرآن الكريم منه صيغة المفرد، وإنما يستعمل مرادفها مكانها، وهو العقل، أو القلب، وذلك في نحو قوله تعالى في سورة (ق) رقم [٣٧]: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} وذلك؛ لأن لفظ الباء شديد مجتمع، ولا يفضي إلى هذه إلا من اللام الشديدة المسترخية، فلما لم تحسن اللفظة أسقطها من نظمه ألبتة.

وقد جمع على: «ألب» كما جمع: «بؤس» على: «أبؤس». انتهى. علوم القرآن للصابوني.

الإعراب: {أَعَدَّ:} فعل ماض. {اللهُ:} فاعله. {لَهُمْ:} متعلقان به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. وقيل: مفسرة لما تقدم من الوعيد. {عَذاباً:} مفعول به. {شَدِيداً:}

صفة له. {فَاتَّقُوا:} (الفاء): هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر. (اتقوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {اللهُ:} منصوب على التعظيم، والجملة

<<  <  ج: ص:  >  >>