للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تنس: أن كل الجمل المتعاطفة في محل نصب مقول القول للفعل المقدر، والقول، ومقوله كلام مستأنف لا محل له. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠)}

الشرح: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ} أي: وسوس لآدم وحواء. والوسوسة في الأصل: الصوت الخفي. والوسوسة: حديث النفس، وهي أيضا: حديث يلقيه الشيطان في قلب الإنسان.

والوسواس: اسم للشيطان، قال تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنّاسِ}. واختلف أين كانت هذه الوسوسة، وفي أنه تمثل لهما، فقاولهما بذلك، أو ألقاه إليهما عن طريق الوسوسة، وأنه كيف توصل إليهما بعد ما قيل له: {فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ؟}

فقيل: إنه منع من الدخول على وجه التكرمة، كما كان يدخل مع الملائكة، ولم يمنع أن يدخل للوسوسة ابتلاء لآدم، وحواء. وقيل: قام عند الباب، فناداهما. وقيل: تمثل بصورة دابة، فدخل، ولم تعرفه الخزنة. وقيل: دخل في فم الحية؛ حتى دخلت به. وقيل: أرسل بعض أتباعه، فوسوس لهما. والعلم عند الله سبحانه، وتعالى. انتهى بيضاوي.

هذا؛ ونقل الخازن عن الإمام الرازي عن الحسن: أنه قال: كان يوسوس في الأرض إلى السماء إلى الجنة بالقوة القوية التي جعلها الله تعالى له. وقال أبو مسلم الأصبهاني: بل كان آدم، وإبليس في الجنة؛ لأن هذه الجنة كانت بعض جنات الأرض، والذي يقوله بعض الناس من أن إبليس دخل في جوف الحية، فدخلت به إلى الجنة، فقصة مشهورة ركيكة. انتهى. هذا؛ وانظر شرح {الشَّيْطانُ} في الاستعاذة، وفي الآية رقم [١١٢] (الأنعام). {لِيُبْدِيَ لَهُما:} ليظهر، ويكشف لهما. {ما وُورِيَ:} ما غطي، وستر. {سَوْآتِهِما:} تثنية: سوأة، والمراد بها: العورة، أي: الفرج، وكانا لا يريانهما من أنفسهما، ولا أحدهما من الآخر، وإنما فعل ذلك ليسوءهما بانكشاف عورتيهما. ولذلك عبر سبحانه عنهما بالسوأة، وفيه دليل على أن انكشاف العورة في الخلوة، وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع. انتهى بيضاوي بتصرف. هذا؛ وإنما بدت سوآتهما لهما، لا لغيرهما على المعتمد.

هذا؛ واختلف في اللباس الذي نزع عنهما، قال الخازن: فقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كان لباسهما الظفر، فلما أصابا الخطيئة؛ نزع عنهما، وبقيت الأظفار، تذكرة، وزينة، ومنافع. وقال وهب بن منبه-رحمه الله تعالى-كان لباس آدم وحواء نورا، وقال مجاهد: كان لباسهما التقى، وفي رواية عنه: التقوى. وقيل: إن لباسهما من ثياب الجنة. وهذا القول أقرب؛ لأن إطلاق اللباس ينصرف إليه، ولأن النزع لا يكون إلا بعد اللبس. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>