الشرح:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ:} أمتنع، وأتحصن، وأعتصم بك. {مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ} أي: وساوسهم، ونخساتهم، ونزغاتهم الشاغلة عن ذكر الله تعالى، فعن جبير بن مطعم-رضي الله عنه-: أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي صلاة، -قال عمرو-رضي الله عنه-: ولا أدري أي صلاة هي؟ - فقال: «الله أكبر كبيرا (ثلاثا)، والحمد لله كثيرا (ثلاثا)، وسبحان الله بكرة وأصيلا (ثلاثا)، أعوذ بالله من الشّيطان من نفخه، ونفثه، وهمزه، قال: نفثه: الشّعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة» أخرجه أبو داود، والموتة: الجنون.
{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} أي: يكونوا معي في أموري، فإنهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدّين للهمز، وإذا لم يكن حضور فلا همز. فعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:«إنّ الشّيطان يحضر أحدكم عند كلّ شيء من شأنه، حتّى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللّقمة، فليمط ما كان بها من أذى، ثمّ ليأكلها، ولا يدعها للشّيطان، فإذا فرغ: فليلعق أصابعه، فإنّه لا يدري في أيّ طعامه البركة». أخرجه مسلم، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦٤] من سورة (الإسراء) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك، وخذ ما يلي:
فعن أبي أمامة الباهلي-رضي الله عنه-قال: حدّث خالد بن الوليد-رضي الله عنه- رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أهاويل يراها باللّيل، حالت بينه وبين صلاة اللّيل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«يا خالد بن الوليد! ألا أعلّمك كلمات تقولهنّ، ولا تقولهنّ ثلاث مرّات؛ حتّى يذهب الله عنك ذلك؟». قال: بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمّي! فإنّما شكوت هذا إليك رجاء هذا منك. قال:
قل: أعوذ بكلمات الله التّامّة من غضبه، وعقابه، وشرّ عباده، ومن همزات الشّياطين، وأن يحضرون». قالت عائشة-رضي الله عنها-: فلم ألبث ليالي حتّى جاء خالد بن الوليد، فقال:
يا رسول الله بأبي أنت وأمّي! والّذي بعثك بالحقّ ما أتممت الكلمات الّتي علّمتني ثلاث مرّات حتّى أذهب الله عني ما كنت أجد، ما أبالي لو دخلت على أسد في خيسته بليل. رواه الطبراني في الأوسط، خيسة الأسد: موضعه الذي يأوي إليه.
وعن خالد-رضي الله عنه-: أنه أصابه أرق، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«ألا أعلّمك كلمات إذا قلتهنّ نمت، قل: اللهمّ ربّ السموات السبع وما أظلّت، وربّ الأرضين وما أقلّت، وربّ الشّياطين وما أضلّت، كن لي جارا من شرّ خلقك أجمعين أن يفرط عليّ أحد منهم، أو أن يطغى، عزّ جارك، وتبارك اسمك». رواه الطبراني في الكبير، والأوسط، ويزاد:«وجلّ ثناؤك، ولا إله غيرك».