للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَاُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١)}

الشرح: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} أي: حيث وجدتموهم، فهو مثل قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [٥]: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} بل هذه أعمّ، والأولى أخصّ، لذا قيل:

هذه ناسخة لتلك. هذا؛ والثقف في الأصل: الحذق في إدراك الشيء، علما كان، أو عملا، فهو يتضمن معنى الغلبة، يقال: ثقف، يثقف، ثقفا. ويقال: رجل ثقف لقف، أي: خفيف حاذق: إذا كان محكما لما يتناول من الأمور، قال الشاعر: [الوافر]

فإمّا تثقفوني فاقتلوني... فمن أثقف فليس إلى خلود

{وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} أي: أخرجوكم من مكّة كما فعلوا بكم، وقد تمّ ذلك بفضل الله عام الفتح. {وَالْفِتْنَةُ} فسر بالشرك، والأولى تفسيرها بالمحنة؛ التي يفتن بها الإنسان، كالتعذيب، والإخراج من الوطن أعظم من القتل؛ لدوام تعبها، وتألم النفس بها، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

لقتل بحدّ السّيف أهون موقعا... على النّفس من قتل بحدّ فراق

«تقتلوهم»، «يقتلوكم»، «قتلوكم:» هذه الأفعال الثلاثة تقرأ بالألف، وبدونها، ولا يتغيّر معناها، ولا إعرابها. {وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ..}. إلخ: جاء في الصحيحين من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:

«إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السّماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ولم يحلّ إلاّ ساعة من نهار-وإنّها ساعتي هذه-فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، فإن أحد ترخّص بقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فقولوا: إنّ الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم». يعني بذلك صلّى الله عليه وسلّم: قتاله أهله يوم فتح مكّة. هذا؛ ونصّ الآية الكريمة: أنه لا يجوز قتال الكافر حتّى يقاتل في الحرم، ولكن الآية الآتية: {وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} عمّمت القتال. {كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ:} أي: مثل ذلك جزاؤهم، يفعل بهم مثل ما فعلوا بكم، والجزاء من جنس العمل.

الإعراب: {وَاقْتُلُوهُمْ:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعوله، والجملة الفعلية، معطوفة على ما قبلها في الآية السابقة لا محل لها مثلها. {حَيْثُ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، مبني على الضم في محل نصب. {ثَقِفْتُمُوهُمْ:} فعل ماض مبني على السكون، والتاء فاعله، والميم علامة جمع الذّكور، وحركت بالضم لتحسين اللفظ، فتولدت واو الإشباع، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة: {حَيْثُ} إليها، وجملة:

<<  <  ج: ص:  >  >>