للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بِقَرِيبٍ}: خبر (ليس) منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والجملة الفعلية: {أَلَيْسَ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها، ولعلك تدرك معي أن الآية بكاملها في محل نصب مقول القول؛ لأنها من مقول الملائكة للوط عليه السّلام، وجملة: {قالُوا..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.

{فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣)}

الشرح: {فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا} أي: بإهلاكهم وعذابهم. {جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها}: وذلك أن جبريل-عليه السّلام-أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط، وهي خمس، وأكبرها سدوم، وهي المؤتفكات المذكورة في الآية [٧١] التوبة، فرفعها من تخوم الأرض حتى أدناها من السماء بما فيها، حتى سمع أهل السماء نهيق حمرهم، وصياح ديكتهم، لم تنكفئ لهم جرة، ولم ينكسر لهم إناء، ولم ينتبه لهم نائم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها. {وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً} أي: على من كان خارجا عنها من مسافريها قيل: إن الحجارة اتبعت شذاذ قوم لوط، حتى إن واحدا منهم دخل الحرم، فبقي الحجر معلقا في السماء أربعين يوما حتى خرج ذلك الرجل من الحرم، فسقط عليه الحجر، فأهلكه، وقيل: بعد ما قلبها أمطر عليهم، والمعتمد الأول.

{مِنْ سِجِّيلٍ}: قالت طائفة، منهم ابن عباس، وسعيد بن جبير، وابن إسحاق: إن «سجيلا» لفظة غير عربية، عربت، أصلها «سنج» و «جيل»، ويقال: «سنك» و «كيل»، وهما بالفارسية حجر وطين، عربتهما العرب، فجعلتهما اسما واحدا؛ لأن العرب إذا تكلمت بشيء من الفارسي، صار لغة للعرب، ولا يضاف إلى الفارسية، مثل سندس، واستبرق، ونحو ذلك، فكل هذه الألفاظ فارسية، تكلمت بها العرب، واستعملتها، فصارت عربية، وقيل في شرح: {سِجِّيلٍ} غير ذلك أقوال كثيرة، وانظر الآية رقم [٢] من سورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة وسلام، هذا؛ وأمطرت السماء ومطرت بمعنى واحد، وقيل: أمطر في العذاب، ومطر في الرحمة.

{مَنْضُودٍ}: قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: متتابع يتبع بعضها بعضا، وقال الربيع:

نضد بعضه على بعض حتى صار جسدا واحدا، وقال عكرمة: مصفوف، وقال بعضهم:

مرصوص والمعنى متقارب. {مُسَوَّمَةً}: معلمة، من السيما، وهي العلامة، وقيل: مكتوب على كل حجر اسم من رمي به، وكانت لا تشاكل حجارة الأرض. {عِنْدَ رَبِّكَ} أي: هي من عند الله، وليست من حجارة الأرض.

{وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}: قال قتادة وعكرمة: يعني ظالمي هذه الأمة، والله ما أجار منها ظالما بعده، روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «سيكون في آخر أمّتي قوم يكتفي رجالهم

<<  <  ج: ص:  >  >>