والآيات هنا دلت على ذلك. وخذ قوله تعالى في سورة (الزمر) رقم [٦٨]: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ}.
{فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ} أي: القبور، وقرئ بالفاء: «(من الأجداف)» ذكره الزمخشري، يقال:
جدث، جدف، واللغة الفصيحة الجدث بالثاء، والجمع: أجدث، وأجداث، قال المنتخل الهذلي: [الوافر]
عرفت بأجدث، فنعاف عرق... علامات كتحبير النّماط
هذا؛ وقال تعالى في سورة (القمر): {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ،} وقال في سورة (المعارج): {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}.
{إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ:} يخرجون. ومنه قول امرئ القيس في معلقته رقم [٢٧]: [الطويل]
وإن كنت قد ساءتك منّي خليقة... فسلّي ثيابي من ثيابك تنسلي
قرئ بضم السين، وكسرها، ومنه قيل للولد: نسل؛ لأنه يخرج من بطن أمه. وقيل:
المعنى: يسرعون، والنسلان، والعسلان: الإسراع في السير، ومنه: مشية الذئب، قال لبيد.
وقيل: هو للنابغة: [الرمل]
عسلان الذئب أمسى قاربا... برد الليل عليه فنسل
الإعراب: {وَنُفِخَ:} الواو: حرف عطف. (نفخ): فعل ماض مبني للمجهول. {فِي الصُّورِ:} جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل. {فَإِذا هُمْ:} انظر الآية رقم [٢٩] ففيها الكفاية. {مِنَ الْأَجْداثِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل بعدهما. {إِلى رَبِّهِمْ:} متعلقان بالفعل بعدهما أيضا، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.
{يَنْسِلُونَ:} مضارع مرفوع إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو: {هُمْ}.
{قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)}
الشرح: {قالُوا يا وَيْلَنا} أي: يقول الكافرون حين يخرجون من قبورهم: يا هلاكنا. وهذه القراءة سبعية، وقرأ ابن أبي ليلى: «(يا ويلتنا)» بتاء التأنيث، وعنه أيضا: «(يا ويلتى)» بإبدال الياء ألفا، وتأويل هذا: أن كل واحد منهم يقول: يا ويلتي. انتهى. جمل نقلا عن السمين. هذا؛ والتعبير في هذه الآية، ونحوها بالماضي عن المستقبل إنما هو لتحقق وقوعه.
{مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا:} من أخرجنا من قبورنا التي كنا فيها؟ وهذا على اعتبار (مرقد) اسم مكان، وأما على اعتباره مصدرا، فيكون المعنى: من بعثنا من رقادنا؟ أي: من نومنا، وهذا