الصحيحة، والمعاني الحسنة؛ لأنّ من اقتنع بظاهر المتلو؛ لم يحل منه بكثير طائل، وكان مثله كمثل من له لقحة درور، لا يحلبها، ومهرة نثور، لا يستولدها. انتهى.
هذا؛ وقد استدلّ بهذه الاية وأمثالها من يجيز التفسير بالرأي، والاجتهاد. قالوا: والتدبر، والتفكر، والتذكر لا يكون إلاّ بالغوص عن أسرار القرآن، والاجتهاد في فهم معانيه، فهل يعقل أن يكون تأويل ما لم يستأثر الله بعلمه محظورا على العلماء مع أنه طريق العلم، وسبيل المعرفة؟!. انتهى. علوم القرآن للصابوني.
هذا؛ ولا تنس الاستعارة بقوله: {عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} حيث شبّه قلوبهم بالصناديق المغلقة، واستعار لها شيئا من لوازمها، وهي الأقفال المختصة بها، لاستبعاد فتحها، واستمرار انغلاقها.
الإعراب: {أَفَلا:} الهمزة: حرف استفهام توبيخي. الفاء: حرف استئناف، أو هي عاطفة على محذوف. (لا): نافية، {يَتَدَبَّرُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله.
{الْقُرْآنَ:} مفعول به، والجملة الفعلية لا محلّ لها على الوجهين المعتبرين في الفاء. {أَمْ:}
حرف عطف بمعنى (بل). {عَلى قُلُوبٍ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {أَقْفالُها:} مبتدأ مؤخر، و (ها): في محلّ جر بالإضافة، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها لا محلّ لها مثلها.
{إِنَّ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥)}
الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ..}. إلخ: قال قتادة: هم كفار أهل الكتاب، كفروا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ما عرفوا نعته عندهم، قاله ابن جريج. وقال ابن عباس، والضحاك، والسدي:
هم المنافقون قعدوا عن القتال بعد ما علموه من القرآن. انتهى. أقول: وهو يعمّ كل من تبيّن له الهدى، ووضح الحق له، ثم هو ينحرف إلى الباطل، ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه العلوم، وظهرت فيه الدلائل على أحقية الإسلام، ولا سيما المسلمون؛ الذين ارتدوا عن الإسلام، ودخل الإلحاد في قلوبهم، وعشّش فيها، ولا يخلو بيت مسلم من هذا في هذا الزمن.
{الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ} أي: زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، وإلحادهم، وضلالهم. {وَأَمْلى لَهُمْ:} قرئ الفعل بضم الهمزة، وكسر اللام، وفتح الياء بالبناء للمجهول، بمعنى: أمهلوا، ومدّ لهم في العمر. وقراءة العامة بفتح الهمزة واللام، بمعنى: أملى لهم الشيطان بأن مدّ لهم في الأمل، قال الخازن-رحمه الله تعالى-:
فإن قلت: الإملاء، والإمهال لا يكونان إلاّ من الله تعالى؛ لأنّه الفاعل المطلق، وليس للشيطان فعل قطّ على مذهب أهل السنة فما معنى القراءة؟ قلت: إن المسوّل، والمحلي هو الله