الشرح:{فَلا أُقْسِمُ:} قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: (لا) صلة في قول أكثر المفسرين، والمعنى: فأقسم بدليل قوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} وقال الفراء: هي نفي، والمعنى ليس الأمر كما تقولون، ثم استأنف:{أُقْسِمُ} وقد يقول الرجل: لا، والله ما كان كذا! فلا يريد به نفي اليمين، بل يريد به نفي كلام تقدم؛ أي: ليس الأمر كما ذكرت، بل هو كذا. وقيل:(لا) بمعنى: ألا للتنبيه. ونبه بهذا على فضيلة القرآن؛ ليتدبروه، وأنه ليس بشعر، ولا سحر، ولا كهانة، كما زعموا. وقرأ الحسن، وحميد، وعيسى بن عمر: «(فلأقسم)» بغير ألف بعد اللام على التحقيق، وهو فعل حال، ويقدر مبتدأ محذوف، التقدير: فلأنا أقسم بذلك، ولو أريد به الاستقبال؛ للزمت النون، وقد جاء حذف النون مع الفعل الذي يراد به الاستقبال، وهو شاذ.
انتهى. هذا؛ ويقرب من هذا ما تراه في أول سورة (القيامة) إن شاء الله تعالى.
هذا؛ وقال ابن هشام في المغني: اختلف في (لا) في مواضع من التنزيل: أهي نافية، أم زائدة؟ أحدها: قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} فقيل: هي نافية. واختلف هؤلاء في منفيها على قولين: أحدهما: أنه شيء تقدم، وهو ما حكي عنهم كثيرا من إنكار البعث، فقيل لهم:
ليس الأمر كذلك، ثم استؤنف القسم. قالوا: وإنما صح ذلك؛ لأن القرآن كله كالسورة الواحدة، ولهذا يذكر الشيء في سورة، وجوابه في سورة أخرى، نحو قوله تعالى في سورة (الحجر) الاية رقم [٦]: {وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ،} وجوابه: قوله تعالى في سورة (القلم): {ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}.
والثاني: أن منفيها {أُقْسِمُ} وذلك على أن يكون إخبارا، لا إنشاء. واختاره الزمخشري.
قال: والمعنى في ذلك: أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له، بدليل قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} فكأنه قيل: إن إعظامه بالإقسام به كلا إعظام؛ أي: إنه يستحق إعظاما فوق ذلك. وقيل: هي زائدة، واختلف هؤلاء في فائدتها على قولين:
أحدهما: أنها زيدت توطئة، وتمهيدا لنفي الجواب. والتقدير: لا أقسم بيوم القيامة لا يتركون سدى! ومثله قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الاية رقم [٦٥] من سورة (النساء)، وأيضا قول امرئ القيس، وهو الشاهد رقم [٤٥٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [المتقارب] فلا وأبيك ابنة العامريّ... لا يدّعي القوم أنّي أفر