للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورد بقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ..}. الايات فإن جوابه مثبت، وهو قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ} ومثله قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ}. والثاني: أنها زيدت لمجرد التوكيد، وتقوية الكلام، كما في قوله تعالى: {لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ} رقم [٢٩] من سورة (الحديد) ورد بأنها لا تزيد لذلك صدرا، بل حشوا، كما أن زيادة (ما) و (كان) كذلك، نحو قوله تعالى: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ} رقم [١٥٩] من سورة (آل عمران)، وقوله تعالى: {أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} رقم [٧٨] من سورة (النساء)، ونحو: (زيد كان فاضل) وذلك؛ لأن زيادة الشيء تفيد إطراحه، وكونه أول الكلام يفيد الاعتناء به. قالوا: ولهذا نقول بزيادتها في نحو قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ} سورة (المعارج)، وقوله تعالى:

{فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ} لوقوعها بين الفاء، ومعطوفها بخلاف هذا، وأجاب أبو علي بما تقدم من أن القرآن كالسورة الواحدة. انتهى. بحروفه.

{بِمَواقِعِ النُّجُومِ:} مواقع النجوم: مساقطها، ومغاربها في قول قتادة، وغيره. وقال الحسن البصري: انكدارها، وانتثارها يوم القيامة. وقال القشيري: هو قسم، ولله أن يقسم بما يريد، وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى، وصفاته القديمة. قال القرطبي: يدل على هذا قراءة الحسن:

«(فلأقسم)» وما أقسم به سبحانه من مخلوقاته في غير موضع من كتابه. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: المراد بمواقع النجوم: نزول القرآن نجوما، أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السفرة الكاتبين، فنجمه السفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل عليه السّلام على محمد صلّى الله عليه وسلّم عشرين سنة، فهو ينزل به على الأحداث من أمته.

{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ:} لما في المقسم به من الدلالة على عظيم القدرة، وكمال الحكمة، وفرط الرحمة، ومن مقتضيات رحمته ألاّ يترك عباده سدى، وهو اعتراض في اعتراض بين القسم والمقسم عليه، و {لَوْ تَعْلَمُونَ} اعتراض بين الموصوف، والصفة. {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} أي: عزيز مكرّم؛ لأنه كلام الله تعالى، ووحيه إلى نبيه صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: الكريم الذي من شأنه أن يعطي الكثير، وسمي القرآن كريما؛ لأنه يفيد الدلائل؛ التي تؤدي إلى الحق في الدين. وقيل:

الكريم: اسم جامع لما يحمد، والقرآن كريم لما يحمد فيه من الهدى، والنور، والبيان، والعلم، والحكم، فالفقيه يستدل به، ويأخذ منه، والحكيم يستمد منه، ويحتج به، والأديب يستفيد منه، ويتقوى به، فكل عالم يطلب أصل علمه منه. وقيل: سمي كريما؛ لأن كل أحد يناله، ويحفظه من كبير، وصغير، وذكي، وبليد، بخلاف غيره من الكتب. وقيل: إن الكلام إذا كرر مرارا يسأمه السامعون، ويهون في الأعين، وتمله الاذان، والقرآن عزيز كريم، لا يهون بكثرة التلاوة، ولا يخلق بكثرة الترداد، ولا يمله السامعون، ولا يثقل على الألسنة، بل هو غض طري، يبقى أبد الدهر. انتهى. خازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>