للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ:} مصون مستور عند الله تعالى في اللوح المحفوظ من الشيطان من أن يناله بسوء. وقيل: المراد ب‍: (الكتاب) المصحف، ومعنى {مَكْنُونٍ:} مصون، محفوظ من التبديل، والتحريف. والقول الأول أصح.

{لا يَمَسُّهُ} أي: ذلك الكتاب المكنون. {إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ:} وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة من الشرك، والذنوب، والأحداث. يروى هذا القول عن ابن عباس، وأنس، وهو قول سعيد بن جبير، وأبي العالية، وقتادة، وابن زيد. وقيل: هم السفرة الكرام البررة، ويدل له قوله تعالى في سورة (عبس): {فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ}. وعلى القول الثاني من أن المراد بالكتاب: المصحف، فقيل: معنى {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} أي: من الشرك. وكان ابن عباس-رضي الله عنهما-ينهى أن تمكن اليهود، والنصارى من قراءة القرآن. قال الفراء: لا يجد طعمه، ونفعه إلا من آمن به. وقيل: معناه لا يقرؤه إلا الموحدون. وقال قوم: معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث، والجنابات.

وظاهر الاية نفي، ومعناه نهي. قالوا: لا يجوز للجنب، ولا للحائض، ولا للمحدث حمل المصحف، ولا مسه. وهو قول عطاء، وطاوس، وسالم، والقاسم، وأكثر أهل العلم، وبه قال مالك، والشافعي، وأكثر الفقهاء. يدل عليه ما روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمرو بن حزم: «أن لا تمسّ القرآن إلا طاهرا». أخرجه مالك مرسلا. وقد جاء موصولا عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى أهل اليمن بهذا. والصحيح فيه الإرسال. وروى الدارقطني بسنده عن سالم عن أبيه؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر».

والمراد بالقرآن: المصحف، سمّاه قرآنا على قرب الجوار، والاتساع. كما روي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، وأراد به المصحف. وقال الحكم، وحماد، وأبو حنيفة: يجوز للمحدث، والجنب حمل المصحف ومسه بغلافه. انتهى. خازن. وقال ابن جرير عن قتادة؛ قال: لا يمسه عند الله إلا المطهرون، فأما في الدنيا؛ فإنه يمسه المجوسي النجس، والمنافق الرجس.

{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي: هذا القرآن منزل من رب العالمين، وليس هو كما يقولون: إنه لسحر، أو شعر، أو كهانة، بل هو الحق الذي لا مرية فيه، وليس وراءه حق نافع. وقال أبو زيد: زعمت كفار قريش: أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى: أنه لا يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى في سورة (الشعراء): {وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}.

تنبيه: وجه المناسبة بين المقسم به (وهو النجوم) وبين المقسم عليه (وهو القرآن) في الايات: [٧٥ - ٧٦ - ٧٧]: أن النجوم جعلها الله ليهتدي بها الناس في ظلمات البر، والبحر،

<<  <  ج: ص:  >  >>