للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{عَلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل غضب، والجملة الفعلية معطوفة على جملة محذوفة، تدلّ عليها الجملة الشرطية، التقدير: حكم الله بأنّ جزاءه ذلك، وغضب عليه. والجملتان بعدهما معطوفتان أيضا عليها، والجملة المقدّرة، وما عطف عليها كلّها في محل نصب حال مثل: {خالِداً فِيها} وهي على تقدير «قد» قبلها، والاستئناف ممكن.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} انظر الآية رقم [٢٩] {إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ:} سافرتم، وذهبتم إلى الغزو في سبيل إعلاء كلمة الله. فقد استعير الضّرب للسّعي في قتال الأعداء، واستعير السّبيل له لدين الله. {فَتَبَيَّنُوا:} من التبيين، أي: فاطلبوا بيان الأمر، ولا تعجلوا فيه.

وقرئ: («فتثبتوا») من الثبات، وهو قريب من معنى الأول. {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً:} حيّاكم بتحية الإسلام، وتنفون إيمانه، وتقولون: قالها خوفا، وتقيّة من قتله.

{تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا:} تطلبون الغنيمة بقتله، الّتي هي من حطام الدنيا، سريعة النّفاد، والذّهاب.

{فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ:} هذه عدة من الله تعالى بما يأتي به في المستقبل على وجهه، ومن حله دون ارتكاب محظور، فلا تتهافتوا. {كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} أي: كنتم تخفون إيمانكم عن قومكم خوفا منهم على أنفسكم. {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ} فتكرّم الله عليكم بإعزاز الدين، وغلبة المشركين حتّى أظهرتم. {فَتَبَيَّنُوا:} أعاد الأمر بالتّبيين للتّأكيد. {إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً:} تحذير من مخالفة أمر الله، أي: احفظوا أنفسكم، وجنّبوها الزّلل، والخطأ الموبق. وفي الآية الكريمة ردّ على المعتزلة، والقدرية، فإنّ الله عزّ وجل أخبر: أنّه منّ على المؤمنين من بين الخلائق حيث خصّهم بالتّوفيق، والهداية للإيمان، وخذ ما يلي:

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت الآية الكريمة في رجل من بني مرّة بن عوف، يقال له: مرداس بن نهيك، وكان من أهل فدك لم يسلم من قومه غيره، فسمعوا بسرية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تريدهم، وكان على السرية رجل يقال له: غالب بن فضالة الليثي، فهربوا منه، وأقام ذلك الرّجل المسلم، فلمّا رأى الخيل؛ خاف ألا يكونوا مسلمين، فألجأ غنمه إلى سفح جبل، وصعد هو الجبل، فلمّا تلاحقت الخيل؛ سمعهم يكبّرون، فعرف: أنّهم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكبّر؛

<<  <  ج: ص:  >  >>