للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ..}. إلخ، وهذا عامّ في جميع الذنوب، فكلّ من تاب؛ تاب الله عليه. وفي هذه السّورة قبل الآية التي الكلام فيها وبعدها قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}. وثبت في الصّحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس، ثمّ سأل عالما: هل له من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ والحديث مشهور مسطور، وإذا كان هذا في بني إسرائيل؛ فلأن يكون في هذه الأمّة التوبة مقبولة بطريقة الأولى والأحرى؛ لأنّ الله وضع عنا الآصار، والأغلال التي كانت عليهم، وبعث نبينا صلّى الله عليه وسلّم بالحنيفيّة السّمحة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

تنبيه: تعلّقت المعتزلة، ومن يقول بقولهم بهذه الآية لصحّة مذهبهم على أنّ الفاسق مرتكب الكبائر يخلّد في النار، وأجاب أهل السنة بأنّ الآية نزلت في كافر قتل مسلما، فتكون الآية على هذا مخصوصة. وقيل: هذا لمن قتل مسلما مستحلاّ قتله، ومن استحلّ قتل مسلم فهو كافر، وهو مخلّد في النار. وقيل: إنّ الخلود كناية عن طول المكث. والله أعلم، وأجل، وأكرم.

الإعراب: {وَمَنْ:} الواو: حرف استئناف. ({مَنْ}): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَقْتُلْ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من). {مُؤْمِناً:}

مفعول به. {مُتَعَمِّداً:} حال من فاعل: {يَقْتُلْ} المستتر. {فَجَزاؤُهُ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (جزاؤه): مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف. {جَهَنَّمُ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه. {خالِداً:} حال من الضمير المجرور محلاّ بالإضافة، وساغ ذلك؛ لأنّ المضاف قد عمل فيه، قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-: [الرجز]

ولا تجز حالا من المضاف له... إلاّ إذا اقتضى المضاف عمله

أو كان جزء ماله أضيفا... أو مثل جزئه فلا تحيفا

{فِيها:} جار ومجرور متعلقان ب‍ {خالِداً،} وقال أبو البقاء-رحمه الله تعالى-:

{خالِداً:} حال من محذوف، تقديره: يجزاها خالدا فيها، فإن شئت جعلته من الضمير المرفوع، وإن شئت جعلته من المنصوب، ولا يجوز أن يكون حالا من الهاء في: (جزاؤه) لوجهين: أحدهما: أنّه حال من المضاف إليه، والثاني: أنّه فصل بين صاحب الحال، والحال بخبر المبتدأ، وهو أجنبي، ونقل الجمل عن السّمين مثله.

أقول: الأول منتقض لكون المضاف عمل في المضاف إليه، والثاني ينتقض باعتبار الجملة المقدّرة حالا من الضمير نفسه، واعتبارها مستأنفة غير جيّد. {وَغَضِبَ اللهُ:} ماض وفاعله.

<<  <  ج: ص:  >  >>