للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزمه حذف النون، والواو فاعله، والكاف مفعوله الأول. {بَعْدَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، ويجوز تعليقه ب‍ {كافِرِينَ}. و {بَعْدَ:} مضاف، و {إِيمانِكُمْ:} مضاف إليه، والكاف في محل جر بالإضافة. {كافِرِينَ} مفعول به ثان، أو هو حال من الكاف؛ إن اكتفى: (يردّ) بمفعول واحد، فهو منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكّر سالم... إلخ، وجملة:

{يَرُدُّوكُمْ..}. إلخ لا محلّ لها؛ لأنها جملة جواب الشّرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب‍ «إذا» الفجائية، والجملة الشرطية: {إِنْ تُطِيعُوا..}. إلخ لا محلّ لها كالجملة الندائية قبلها.

{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)}

الشرح: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ:} الخطاب للأوس، والخزرج، والاستفهام للإنكار، والتعجّب لكفرهم بنعم الله في وقت اجتمعت لهم الأسباب الدّاعية إلى الإيمان الصارفة عن الكفر، والتعجّب إنّما يليق بمن لا يعلم السّبب، وذلك على الله محال، فالمراد منه: المنع، والتغليظ، وذلك؛ لأنّ تلاوة آيات الله-وهي القرآن-حالا بعد حال، وكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيكم يرشدكم إلى مصالحكم، وذلك يمنع من وقوع الكفر، فكان وقوع الكفر منهم بعيدا على هذا الوجه.

قال قتادة-رحمه الله تعالى-: في هذه الآية علمان بينان: كتاب الله تعالى، ونبي الله صلّى الله عليه وسلّم، أما نبي الله؛ فقد مضى، وأما كتاب الله تعالى؛ فقد أبقاه الله بين أظهركم رحمة منه، ونعمة، فيه حلاله، وحرامه، وطاعته، ومعصيته. وخذ ما يلي:

عن زيد بن أرقم-رضي الله عنه-قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا بما يدعى: خمّا بين مكّة، والمدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ، وذكّر، ثمّ قال: «أمّا بعد ألا أيّها النّاس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي، فأجيب، وتارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى، والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي!». أخرجه مسلم. وعن ابن عباس: -رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس في حجّة الوداع، فقال: «إنّ الشّيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك ممّا تحاقرون من أعمالكم، فاحذروا. إنّي تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبدا، كتاب الله، وسنّة نبيّه». رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ} أي: يمتنع بالله، ويستمسك بدينه، وطاعته. يقال: أعصم به، واعتصم، وتمسّك به، واستمسك: إذا امتنع به من غيره، وكلّ متمسّك بشيء معصم، ومعتصم، وكل مانع شيئا؛ فهو عاصم. قال الفرزدق: [الوافر]

أنا ابن العاصمين بني تميم... إذا ما أعظم الحدثان نابا

<<  <  ج: ص:  >  >>