و (ما) مصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: فليأتنا بآية إتيانا كائنا مثل إرسال الأولين، وهذا ليس مذهب سيبويه، وإنما مذهبه في مثل هذا التركيب أن يكون منصوبا على الحال من المصدر المضمر المفهوم من الفعل المتقدم، وإنما أحوج سيبويه إلى هذا؛ لأن حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه لا يجوز إلا في مواضع محصورة، وليس هذا منها، هذا؛ ويجوز اعتبار الجار والمجرور متعلقين بمحذوف صفة (آية)، هذا؛ والجمل المتعاطفة كلها في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالُوا..}. إلخ معطوفة على مضمون:{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى..}. إلخ لا محل لها أيضا.
الشرح:{ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ:} قبل أهل مكة. {مِنْ قَرْيَةٍ:} من أهل قرية، أتتهم المعجزات، فلم يؤمنوا، ولم يوحدوا. {أَهْلَكْناها:} أهلكنا أهلها لما كذبوا، وزادوا في عنادهم، وعتوهم كقوم نوح، وهود، وصالح، وكفرعون، ومن على شاكلته. {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} أي: لو جئتهم يا محمد بما طلبوا، وهم أعتى منهم، وأشد نفورا. وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بالمقترح للإبقاء عليهم، إذ لو أتى به، ولم يؤمنوا؛ استوجبوا عذاب الاستئصال كالذين قبلهم، وقد علم الله وقدر، أنه سيخرج من أصلابهم من يؤمن، ويحمل راية الإسلام، وينشرها في أنحاء المعمورة، والتاريخ الإسلامي أكبر شاهد على ذلك.
هذا؛ و {مِنْ قَرْيَةٍ:} الأصل: من أهل قرية فقد حذف المضاف للإيجاز، وهذا النوع من المجاز مشهور في كلام العرب، نظمه، ونثره، و «القرية» في الأصل: اسم للمكان الذي يجتمع فيه القوم، وهو يطلق على المدينة الكبيرة، وغيرها، كيف لا؟ وقد جعل الله مكة المكرمة أم القرى في قوله:{لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها} كما تطلق على الضيعة الصغيرة، وهي مأخوذة من:
قريت الماء في المكان: جمعته، وفي القاموس المحيط: القرية: بكسر القاف، وفتحها، والنسبة إليها قرويّ وقرييّ.
أما الإيمان الصحيح: فهو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، والعمل بالأركان. ولما سئل الرسول صلّى الله عليه وسلّم عنه؛ قال:«الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء، والقدر، خيره، وشره من الله تعالى».
الإعراب:{ما:} نافية. {آمَنَتْ:} ماض، والتاء للتأنيث حرف لا محل له. {قَبْلَهُمْ:}
ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. {مِنْ:} حرف جر صلة.