الشرح {وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ} أي: لا تخاصموهم، والجدل شدة الخصومة، وهي مذمومة إلا عند الضرورة كما سيأتي، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل» ثم قرأ: {ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً}. رواه الترمذي، وابن ماجة.
وعن أبي أمامة الباهلي-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنّة، ومن تركه وهو محقّ بني له في وسطها، ومن حسّن خلقه بني له في أعلاها». رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي.
{إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: بالخصلة التي هي أحسن للثواب، وهي: مقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم، كما قال تعالى في آية أخرى:{اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ:} فأفرطوا في الاعتداء والعناد، ولم يقبلوا النصح والإرشاد، ولم ينفع فيهم الرفق والسهولة، فاستعملوا معهم الغلظة. وقيل: إلا الذين آذوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالقول، أو بالفعل. أو إلا الذين أثبتوا الولد والشريك لله، وقالوا: يد الله مغلولة، أو المعنى: ولا تجادلوا الداخلين في الذمة، المؤدين للجزية. {إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا،} فنبذوا الذمة، ومنعوا الجزية، فمجادلتهم بالسيف، والآية تدل على جواز المناظرة مع الكفرة في الدين، وعلى جواز تعلم علم الكلام الذي تتحقق به المجادلة.
{وَقُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ:} روى البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لا تصدّقوا أهل الكتاب، ولا تكذّبوهم، وقولوا: آمنا بالذي... إلخ». وروى عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلّوا، إمّا أن تكذّبوا بحقّ، وإما أن تصدّقوا بباطل». وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:
«لا تصدّقوا أهل الكتاب، ولا تكذّبوهم، وقولوا آمنّا بالله وملائكته وبكتبه ورسله، فإن قالوا باطلا لم تصدّقوهم، وإن قالوا حقّا لم تكذّبوهم».