للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاسقون. أو المصدر في محل رفع مبتدأ، والخبر محذوف، أي: وفسقكم ثابت معلوم عندكم، ولكن حبّ الرئاسة، والمال يمنعكم من الإنصاف. انتهى بيضاوي. أقول: المعتمد الوجهان الأولان، والبواقي يظهر فيها التعسّف، والتكلّف. تأمل، وتدبّر، وربك أعلم.

{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠)}

الشرح: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ:} هذا جواب لليهود لمّا قالوا: ما نعرف دينا شرّا من دينكم. والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء اليهود؛ الّذين قالوا هذه المقالة: هل أخبركم بشرّ من ذلك الذي ذكرتم، ونقمتم علينا من إيماننا بالله، وبما أنزل علينا؟ والخطاب موجّه للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وانظر شرح (شر) في الآية [١٧٠] من سورة (النساء). {مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ:} جزاء ثابتا عند الله، والمثوبة مختصّة بالخير كالعقوبة مختصّة بالشرّ، فوضعت هنا موضعها تهكما على حدّ قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ}. هذا؛ وأصلها: مثووبة على وزن مفعولة، فنقلت حركة الواو الأولى إلى الثاء؛ لأنّ الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فحذفت إحدى الواوين لالتقائهما ساكنتين. ومثله مقولة، ومجوزة، ومضوفة على معنى المصدر، كما قال أبو جندب الهذلي: [الطويل]

وكنت إذا جاري دعا لمضوفة... أشمّر حتّى ينصف السّاق مئزري

هذا؛ ودين محمد صلّى الله عليه وسلّم لا شرّ فيه قطعا، ولكن جاء الجواب على حسب قولهم، واعتقادهم، فإن اليهود حكموا بأنّ اعتقاد ذلك الدين شرّ، فقال لهم الله: هب أن الأمر كذلك. لكن من لعنه الله، وغضب عليه، ومسخ صورته شرّ من ذلك. {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ} يعني: من اليهود من لعنه الله، وغضب عليه، ومنهم من جعلهم قردة، وخنازير. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إنّ الممسوخين كلاهما أصحاب السّبت، فشبّانهم مسخوا قردة، وشيوخهم خنازير، انظر الآية رقم [٦٥] من سورة (البقرة) وتفصيلها في سورة (الأعراف) الآية [١٦٣] وما بعدها.

وقيل: إنّ مسخ بعضهم قردة كان في أصحاب السبت من اليهود، ومسخ بعضهم خنازير كان بعد نزول المائدة في زمن عيسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. ولمّا نزلت الآية الكريمة عيّر المسلمون اليهود، وقالوا لهم: يا إخوان القردة، والخنازير، وافتضحوا بذلك، فنكّسوا رءوسهم، وقال الشاعر: [الرجز]

فلعنة الله على اليهود... إنّ اليهود إخوة القرود

{وَعَبَدَ الطّاغُوتَ} يعني: وجعل منهم من عبد الطاغوت، يعني من أطاع الشّيطان فيما سوّل له، والطّاغوت: هو الشّيطان، وقيل: هو العجل، وقيل: هو الكهّان، والأحبار. وجملته: أنّ

<<  <  ج: ص:  >  >>