والأمر الثاني: أنّ الخبر المذكور ل: {إِنَّ} وخبر (الصّابئون) محذوف، تقديره: كذلك، ويشهد له قول صابئ المذكور آنفا، انظر شرح الأبيات المذكورة في كتابينا المذكورين؛ تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.
الشرح:{لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ:} تقدّم شرح هذه الكلمات فيما مضى.
والمعنى: أخذنا بالعهود عليهم في التوراة بأن يعملوا بما فيها من التّوحيد، والعمل بما أمرناهم به، والانتهاء عمّا نهيناهم عنه، ولكنهم نقضوا العهود، والمواثيق التي أخذها الله عليهم في التوراة، واجترحوا من الجرائم العظام ما سجّله التاريخ عليهم؛ أي: في جميع العصور والأزمان، فلا يستغرب منهم ما يصدر من الأذى والعصيان للرسول صلّى الله عليه وسلّم وللمسلمين. {وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً} أي: أرسلنا إليهم الرّسل ليرشدوهم، وليبينوا لهم أمر الدين. {كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ:} أي يخالف أهواءهم، ويضاد شهواتهم من ميثاق التكليف، والعمل بالشّرائع.
{فَرِيقاً كَذَّبُوا:} من الرّسل الذين جاءتهم. {وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} أي: فريقا آخر قتلوه، فكان ممّن كذبوا: عيسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم. وكان فيمن قتلوا: زكريا، ويحيى، وغيرهما من الأنبياء، وقد تقدّم ذكرهم في سورة (البقرة، وآل عمران) هذا؛ والتعبير بالمضارع:{يَقْتُلُونَ} موضع «قتلوا» على حكاية الحال الماضية، استفظاعا للقتل، وتنبيها على أنّ إيذاء الأنبياء، ومعاداتهم من شأنهم ماضيا ومستقبلا.
هذا؛ و (فريق) اسم جمع، لا واحد له من لفظه، مثل: معشر، ورهط... إلخ: وهو بمعنى:
الطائفة من الناس. والفريق أكثر من الفرقة، قال تعالى في سورة (الأعراف): {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} وقال عزّ وجل في سورة (الشّورى): {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}. هذا؛ وانظر شرح (النفس) في الآية رقم [٦٦] من سورة (النساء) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.
الإعراب:{لَقَدْ:} اللام: لام الابتداء، أو هي واقعة في جواب قسم محذوف، التقدير:
وعزّتي، وجلالي. (قد): حرف تحقيق، يقرّب الماضي من الحال. {أَخَذْنا:} فعل وفاعل، والجملة الفعلية لا محلّ لها على الوجهين المعتبرين في اللام. {مِيثاقَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {بَنِي:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و {بَنِي:} مضاف، و {إِسْرائِيلَ:} مضاف إليه مجرور،