للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يجوز عطفه على محلّ {إِنَّ} واسمها، فإنّه مشروط بالفراغ من الخبر؛ إذ لو عطف عليه قبله كان الخبر خبر المبتدأ، وخبر: {إِنَّ} معا، فيجتمع عليه عاملان. ولا على الضّمير في: {هادُوا} وهو قول الكسائي، والأخفش. قال النّحاس: سمعت الزجّاج يقول، وقد ذكر له قول الأخفش، والكسائي، هذا خطأ من جهتين: إحداهما: أنّ المضمر المرفوع يقبح العطف عليه؛ حتّى يؤكّد.

والجهة الأخرى: أنّ المعطوف شريك المعطوف عليه في الحكم. فيصير المعنى: إنّ الصابئين قد دخلوا في اليهودية. وهذا محال. وقيل: (إنّ) بمعنى «نعم»، وما بعدها في محل رفع بالابتداء، و (الصابئون) معطوف عليه، أو هو مبتدأ، وحذف الخبر لدلالة الثاني عليه، فالعطف يكون على هذا بعد تمام الكلام، وانقضاء الاسم، والخبر. وخذ قول قيس الرقيات-وهو الشاهد رقم [٥١] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد رقم [٥٢٣] من كتابنا: «فتح رب البريّة»: [مجزوء الكامل]

بكر العواذل في الصّبو... ح يلمنني وألومهنّه

ويقلن شيب قد علا... ك وقد كبرت فقلت إنّه

وقيل: (الصابئون) معطوف على اسم: {إِنَّ} وهو منصوب، وجاء بالواو على لغة بلحارث الّذين يجعلون المثنّى بالألف على كلّ حال، وجمع المذكر السالم بالواو على كلّ حال. وقيل:

منصوب بالفتحة الظاهرة، وقد أجاز أبو علي الفارسي نصب جمع المذكر السالم بالفتحة، وهو بالياء والنون، وأجاز غيره وهو بالواو والنون، والقياس لا يدفعه. انتهى بيضاوي، وعكبري بتصرّف. وذكر مكيّ بن أبي طالب القيسي ما يشبهه.

هذا؛ وقال سليمان الجمل رحمه الله تعالى تبعا للجلال: خبر {إِنَّ} هذه محذوف، تقديره:

فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون دلّ عليه المذكور، وقوله: {وَالَّذِينَ هادُوا} مبتدأ فالواو لعطف الجمل، أو للاستئناف، وقوله: {وَالصّابِئُونَ وَالنَّصارى} عطف على هذا المبتدأ، وقوله: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ..}. إلخ خبر عن هذه المبتدآت الثلاثة. وقوله: {مَنْ آمَنَ..}. إلخ: بدل من كلّ منها بدل بعض، فهو مخصّص، فكأنّه قال: الذين آمنوا من اليهود، ومن النصارى، ومن الصّابئين لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، فالإخبار عن اليهود، ومن بعدهم بما ذكر بشرط الإيمان، لا مطلقا. هذا حاصل ما درج عليه الشّارح في الإعراب، وفي المقام وجوه تسعة أخرى ذكرها السّمين، وما مشى عليه الجلال أوضح وأظهر من كلّ منها. تأمّل. انتهى بحروفه.

هذا وأقول: إنّ ابن هشام-طيّب الله ثراه-ذكر: أنّ الفرّاء، والكسائيّ اعتبرا: (الصابئون) معطوفا على محل (الذين) ولذا قال: وأجيب، أي: من طرف البصريين بأمرين: أحدهما: أنّ خبر {إِنَّ} محذوف، أي: مأجورون، أو آمنون، أو فرحون. و (الصّابئون): مبتدأ، وما بعده الخبر، ويشهد له قول الشاعر-وهو الشاهد [٨٥٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الطويل]

خليليّ هل طبّ فإنّي وأنتما... -وإن لم تبوحا-بالهوى دنفان

<<  <  ج: ص:  >  >>