فأعجب النبي المعظم صلّى الله عليه وسلّم بهذين البيتين كل الإعجاب، وقال له: «لا يفضض الله فاك»، فعاش مئة وعشرين سنة، لم تسقط له سن ببركة دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم.
هذا؛ والبغي: هو الظلم، والاعتداء على حق غيرك. وعواقبه ذميمة، ومال الباغي وخيم، وعقباه أليمة؛ ولو أنّ له جنودا بعدد الحصى، والرمل، والتراب. ورحم الله من يقول: [البسيط] لا يأمن الدّهر ذو بغي ولو ملكا... جنوده ضاق عنها السّهل والجبل
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «لا تمكر، ولا تعن ماكرا، ولا تبغ، ولا تعن باغيا، ولا تنكث، ولا تعن ناكثا». وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ} وقال: {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} وقال: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ}. وقال أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-:
«ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه». وتلا الآيات الثلاث، وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «أسرع الخير صلة الرحم، وأعجل الشرّ البغي، واليمين الفاجرة». وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنّه قال:
«لو بغى جبل على جبل؛ لدكّ الباغي». ورحم الله من يقول: [البسيط]
يا صاحب البغي إنّ البغي مصرعة... فاربع فخير فعال المرء أعدله
فلو بغى جبل يوما على جبل... لاندكّ منه أعاليه وأسفله
وكان المأمون العباسي يتمثل بهذين البيتين في أخيه الأمين، حين ابتدأ بالبغي عليه، قال الشاعر الحكيم: [مجزوء الكامل]
والبغي يصرع أهله... والظلم مرتعه وخيم
هذا؛ وانظر أنواع الظلم في رسالة: «الحج والحجاج في هذا الزمن» وأقبح أنواع الظلم أن يظلم الإنسان نفسه بارتكاب المعاصي، والسيئات، فيسبب لها الخلود في نار جهنم.
الإعراب: {وَالَّذِينَ:} الواو: حرف عطف. (الذين): معطوف على ما قبله. {إِذا:} انظر الآية رقم [٣٧]. {أَصابَهُمُ:} ماض، ومفعوله. {الْبَغْيُ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة:
{إِذا} إليها، {هُمْ يَنْتَصِرُونَ} انظر رقم [٣٧] فالإعراب لا يختلف. و {إِذا} ومدخولها صلة الموصول.
{وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ (٤٠)}
الشرح: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها:} فهذا مثل قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٩٤]:
{فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ،} وقوله في سورة (النحل) رقم [١٢٦]: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ} سمى الجزاء سيئة؛ وإن لم يكن سيئة؛ لتشابههما في