الشرح:{فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ} أي: كيف كان عذابي لمن كفر بي، وكذب رسلي، ولم يتعظ بما جاءت به نذري، وكيف انتصرت لهم، وأخذت لهم بالثأر ممن عاداهم، وآذاهم؟! والاستفهام بكيف للتعظيم، والتهويل، والتخويف، والوعيد. هذا؛ وقال الفراء: الإنذار، والنذر مصدران. وقيل:(نذر) جمع: نذير، ونذير بمعنى: الإنذار، كنكير بمعنى: الإنكار.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} أي: سهلناه للحفظ، وأعنا عليه من أراد حفظه. وقال سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن. وقال غيره: ولم يكن هذا لبني إسرائيل، ولم يكونوا يقرؤون التوراة إلا نظرا غير موسى، وهارون، ويوشع بن نون، وعزير، صلوات الله على نبينا، وحبيبنا، وعليهم أجمعين. وبذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة على ما تقدم بيانه في الاية رقم [٣٠] من سورة (التوبة)، والاية رقم [٢٥٨] من سورة (البقرة). هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الدخان) رقم [٥٨]: {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وقال جل ذكره في سورة (مريم) رقم [٨٧]: {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا} انظر شرح هاتين الايتين في محلهما.
{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: متعظ بمواعظه. وفيه الحث على تعليم القرآن، والاشتغال به؛ لأن الله قد يسر حفظه، وسهله على من يشاء من عباده؛ بحيث يسهل حفظه على الصغير، والكبير، والعربي، والعجمي، وغيرهم.
الإعراب:{فَكَيْفَ:}(الفاء): حرف استئناف. وقيل الفصيحة، وليس بشيء. (كيف): اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر {كانَ} تقدم عليها، وعلى اسمها. {كانَ:} فعل ماض ناقص، {عَذابِي:} اسم {كانَ} مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وياء المتكلم ضمير متصل في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر، أو اسم المصدر لفاعله، ومفعوله محذوف. هذا؛ وإن اعتبرت {كانَ} تامة؛ ف:(كيف) تكون في محل نصب حال من {عَذابِي}. {وَنُذُرِ:} الواو: حرف عطف. (نذر): معطوف على {عَذابِي} مرفوع مثله، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة لمناسبة رؤوس الاي.
{وَلَقَدْ:} انظر الاية رقم [١٣] من سورة (النجم) ففيها الكفاية. {يَسَّرْنَا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها، والقسم وجوابه كلام مستأنف، لا محل له.