رسول نعمة من الله ورحمة لمن أرسل إليهم، قال تعالى لنبينا صلّى الله عليه وسلّم في سورة (الأنبياء): {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} فكان نوح نعمة مكفورة. هذا؛ وقرئ بفتح الكاف، والفاء بمعنى:
كان الغرق جزاء، وعقابا لمن كفر.
قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وما نجا من الغرق غير عوج بن عنق، كان الماء إلى حجزته. وسبب نجاته: أن نوحا عليه السّلام احتاج إلى خشبة الساج لبناء السفينة، فلم يمكنه حملها، فحمل عوج تلك الخشبة إليه من الشام، فشكر الله له ذلك، ونجاه من الغرق. انتهى. وفي قصص الأنبياء للثعالبي أنه عاش أربعة آلاف سنة، وفيه حكايات عن: «عوج» لا يقبلها العقل.
{وَلَقَدْ تَرَكْناها} أي: الفعلة التي فعلها الله بقوم نوح على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. وقيل: أراد السفينة. قال قتادة: أبقاها الله تعالى بأرض الجزيرة عبرة، نظر إليها أوائل هذه الأمة. انتهى. خازن. هذا؛ وقال لي بعضهم: شاهدت آثار السفينة بعيني فوق جبل الجودي بأرض العراق. {آيَةً:} عبرة لمن يعتبر، وعظة لمن يتعظ، وما يتذكر إلا أولو الألباب.
{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: متذكر، معتبر، متعظ خائف من مثل عقوبتهم. هذا؛ وأصله: مذتكر (مفتعل) من الذكر، لكن الذال حرف مجهور قوي، والتاء مهموسة ضعيفة، فأبدلوا من التاء حرفا من مخرجها، مما يوافق الدال في الجهر، وهو الدال، ثم أدغمت الدال في الدال. ويجوز «مذّكر» بالذال على إدغام الثاني في الأول، وبذلك قرأ قتادة، كما قرأ مذتكر على الأصل، وهما قراءتان شاذتان، عن ابن مسعود-رضي الله عنه-، قال: قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «(مذّكر)» فردها عليّ، وفي رواية أخرى سمعته يقول: (مدّكر) دالا، متفق عليه.
الإعراب: {تَجْرِي:} فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى الموصوف المحذوف، والجملة الفعلية في محل جر صفة ثانية للموصوف المحذوف، أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم. {بِأَعْيُنِنا:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل {تَجْرِي} المستتر، التقدير: محفوظة، ونحوه، (ونا): في محل جر بالإضافة.
{جَزاءً:} مفعول لأجله، عامله محذوف، كما رأيت تقديره في الشرح. {لِمَنْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {جَزاءً؛} لأنه مصدر، {كانَ:} ماض ناقص، واسمه يعود إلى (من). {كُفِرَ:}
ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى (من) أيضا، والجملة الفعلية في محل نصب خبر {كانَ}. وجملة: {كانَ كُفِرَ:} صلة (من) لا محل لها.
{وَلَقَدْ:} انظر الاية رقم [١٣] من سورة (النجم) ففيها الكفاية. {تَرَكْناها:} فعل، وفاعل، ومفعول به أول، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها، والقسم وجوابه كلام مستأنف، لا محل له. {آيَةً:} مفعول به ثان. {فَهَلْ:} (الفاء): حرف استئناف، أو هي الفصيحة. (هل):
حرف استفهام. {مِنْ:} حرف جر صلة. {مُدَّكِرٍ:} مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على