الشرح:{قُلْ:} هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم. {لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ:} العلم هنا من المعرفة، لا من اليقين. والغيب: هو ما لم يقم عليه دليل، ولا اطلع عليه مخلوق، والغيب:
ما غاب عن المخلوقات من معلومات لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد ذكرها ربنا في آخر آية من آيات سورة (لقمان)، وقال سبحانه في سورة (الرعد): {اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ}. وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مفاتح الغيب خمس، لا يعلمها إلاّ الله تعالى: لا يعلم أحد ما يكون في غد إلاّ الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلاّ الله، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت، ولا يدري أحد متى يأتي المطر». وفي رواية أخرى:«لا يعلم ما تغيض الأرحام إلاّ الله، ولا يعلم ما في غد إلاّ الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلاّ الله، ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت إلاّ الله، ولا يعلم متى تقوم السّاعة إلاّ الله». أخرجه البخاري. هذا؛ والغيب: ما غاب عن الإنسان، ولم تدركه حواسه، قال الشاعر المسلم:[الطويل]
وبالغيب آمنّا، وقد كان قومنا... يصلّون للأوثان قبل محمّد
أقول: وما اخترع من أشياء، وما اكتشف من أمور في هذا العصر، وما يتحدثون عنه من مغيبات، مثل نزول المطر، وغير ذلك، إنما هو قائم على التجربة، والتخمين، كثيرا ما يخطئ، وقد يصيب فيبقى من غيب الله تعالى.
{وَما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ:} وما يعلمون في أي وقت يبعثون من قبورهم للحساب، والجزاء. وعن بعضهم: أخفى غيبه عن الخلق، ولم يطّلع عليه أحد، لئلا يأمن عبد من عبيده مفاجأة عقابه، وحسابه. وقالت عائشة-رضي الله عنها-: من زعم أن محمدا يعلم ما في غد؛ فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ}.
أخرجه مسلم. وأخيرا أقول: نزلت الآية الكريمة في المشركين حين سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن وقت الساعة، وعليه؛ فالمعنى: أن الله هو الذي يعلم الغيب وحده، ويعلم متى تقوم الساعة؟
وأخيرا أذكر ما قاله البيضاوي-رحمه الله تعالى-: لما بين الله تعالى اختصاصه بالقدرة التامة الفائقة العامة؛ أتبعه ما هو كاللازم له، وهو التفرد بعلم الغيب، والاستثناء منقطع، ورفع المستثنى على اللغة التميمية؛ للدلالة على: أنه تعالى إن كان ممن في السموات والأرض؛ ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم. أو متصل على أن المراد ممن في السموات والأرض من تعلق علمه بها، واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها، فإنه يعمّ الله تعالى، وأولي العلم من خلقه.