للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محذوف، تقديره: وما يوجد للظالمين أنصار. هذا؛ وإن اعتبرت ({ما}): نافية حجازية تعمل عمل ليس؛ فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب خبرها مقدّما، و {أَنْصارٍ} اسمها مؤخرا، وعلى الاعتبارين فالجملة الاسمية، وهي في محل نصب حال من الضمير الواقع مفعولا به، والرابط: الواو فقط، أو هي مستأنفة، أو معترضة اعتراضا تذييليّا في آخر الكلام، لا محلّ لها على الاعتبارين.

{رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣)}

الشرح: {رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-وأكثر المفسّرين: المنادي هو محمد صلّى الله عليه وسلّم. ويدلّ على صحة هذا القول قوله تعالى في آخر سورة (النّحل): {اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ..}. إلخ. وقوله جلّ شأنه في سورة (الأحزاب): {وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ..}. إلخ، وقال محمّد بن كعب القرظي-رضي الله عنه-:

المنادي هو القرآن؛ إذ ليس كلّ أحد لقي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ووجه هذا القول: أنّ كل واحد يسمع القرآن، ويفهمه، فإذا وفقه الله تعالى للإيمان به؛ فقد فاز به، وذلك؛ لأنّ القرآن مشتمل على الرّشد، والهدى، وأنواع الدلائل الدّالة على الوحدانية، فصار كالدّاعي إليها.

{أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنّا:} فصدقنا. {رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا:} كبائر ذنوبنا. {وَكَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا} أي: صغائر ذنوبنا. هذا؛ وجمع بين غفران الذنوب، وبين تكفير السّيئات؛ لأنّ غفران الذنوب بمجرّد الفضل، وتكفير السّيئات بمحوها بالحسنات. أو الأوّل في الكبائر، والثّاني في الصغائر، فلا تكرار، فلا يرد السّؤال: كيف ذكر الثاني مع أنّه معلوم من الأول؟ {وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ} أي: اقبض أرواحنا في جملة الأبرار، أي: اجعلنا منهم، أو محشورين معهم، والأبرار واحدهم: برّ وبارّ، وهو من يفعل أفعال البرّ، أي: الخير، والمراد بهم الأنبياء، والصدّيقون، والصّالحون. وفيه تنبيه على أنّهم يحبّون لقاء الله، ومن أحبّ لقاء الله؛ أحبّ الله لقاءه.

الإعراب: {رَبَّنا:} مثل سابقه. {إِنَّنا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): في محل نصب اسمها.

{سَمِعْنا:} فعل، وفاعل. {مُنادِياً:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ). والكلام كله في محل نصب مقول القول لقول محذوف، كما رأيت في الآيتين السابقتين. {يُنادِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى: {مُنادِياً}.

{لِلْإِيمانِ:} متعلقا بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل نصب صفة: {مُنادِياً} أو هي في محل نصب حال من الضمير المستتر في: {مُنادِياً}. قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: فأيّة فائدة في الجمع بين (المنادي) و (ينادي) قلت: ذكر النّداء مطلقا، ثمّ مقيّدا بالإيمان. تفخيما لشأن

<<  <  ج: ص:  >  >>