للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأرض هنا بعد تعذيب المنافقين والكافرين؟ فنقول: فائدة التكرار للتأكيد، وجنود السموات والأرض منهم من هو للرحمة، ومنهم من هو للعذاب، فقدّم ذكر جنود السموات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة ليكون مع المؤمنين جنود الرحمة، فيثبتوهم على الصراط، وعند الميزان، فإذا دخلوا الجنة؛ أفضوا إلى جوار الله تعالى، ورحمته، والقرب منه، فلا حاجة لهم بعد ذلك إلى شيء. وأخّر ذكر جنود السموات والأرض بعد تعذيب الكافرين، والمنافقين ليكون معهم جنود السخط، فلا يفارقوهم أبدا.

فإن قلت: قال في الاية الأولى: {وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} وقال في هذه الاية: {وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} فما معناه؟ قلت: لما كان في جنود السموات والأرض من هو للرحمة، ومن هو للعذاب، وعلم الله ضعف المؤمنين؛ ناسب أن تكون خاتمة الأولى: {وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} ولما بالغ في وصف تعذيب الكافر، والمنافق، وشدته؛ ناسب أن تكون خاتمة الاية الثانية: {وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} فهو كقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ؟} وقوله تعالى: {فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} انتهى. بحروفه من الخازن، والمراد في الموضعين: التخويف، والتهديد، فلو أراد الله إهلاك المنافقين، والمشركين؛ لم يعجزه ذلك، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. وانظر الإعراب في الاية رقم [٤] ففيها الكفاية.

{إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨)}

الشرح: الخطاب في هذه الاية للنبي صلّى الله عليه وسلّم ذكره في معرض الامتنان عليه؛ حيث شرّفه بالرسالة، وبعثه إلى الناس كافة، شاهدا على أعمال أمته، ومبشرا لمن آمن به، وأطاعه بالثواب، ونذيرا لمن خالفه، وعصى أمره بالعقاب. قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٤٣]:

{وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} وقال تعالى في سورة (النساء) رقم [٤١]: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً}.

الإعراب: {إِنّا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَرْسَلْناكَ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر: (إنّ)، والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محلّ لها. {شاهِداً:} حال، وما بعده معطوف عليه، وهذه الحال مقدرة. وخذ ما يلي:

الحال بالنسبة للزمان على ثلاثة أقسام: حال مقارنة، وهي الغالبة، نحو قوله تعالى حكاية عن قول امرأة إبراهيم-عليه، وعلى نبينا ألف صلاة، وألف سلام-: {وَهذا بَعْلِي شَيْخاً}.

وحال مقدرة، وهي المستقبلة، نحو قوله تعالى: {فَادْخُلُوها خالِدِينَ} وكما في هذه الاية. وحال محكية، وهي الماضية، نحو جاء زيد أمس راكبا. وهناك الحال الموطئة، وهي التي تذكر توطئة

<<  <  ج: ص:  >  >>