يتخلف، وقد وقع لنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم أنه سأل ربه ثلاثة أمور. فاستجاب له في اثنين، وتأخرت الإجابة في الثالث. وجواب آخر، وهو أنه عليه الصلاة والسّلام قد صار في حياة والده مرجعا مهمّا لكل من يستفتي في الشريعة الموسوية، القائمة على التوراة.
كما استشكل على اعتبار الجملة مستأنفة بأن مفاد الجملة حينئذ إخبار، وإخبار الأنبياء لا يتخلف قطعا؛ لأنه قائم مقام:(صدق عبدي في كل ما يبلّغ عنّي) وأجيب بأن هذا الإخبار باعتبار غلبة الظن؛ لأن نبي الله زكريا، لما كان مسنا غلب على ظنه أنه متى وهب له ولد يرثه.
وقد ذكرت لك فيما مضى بأن المراد إرث النبوة، والعلم، وقد حصل ذلك في حياته، كما أشرت إليه. انتهى. هذا؛ والأمور الثلاثة التي سألها الرسول صلّى الله عليه وسلّم ربه وردت في حديث الجمل الذي أخرجه ابن ماجة من حديث تميم الداري-رضي الله عنه-، وهي:«سكّن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكّنت رعبي، فقلت: آمين، ثمّ قال: حقن الله دماء أمّتك من أعدائها، كما حقنت دمي، فقلت: آمين، ثم قال: لا جعل الله بأسها بينها فبكيت، فإنّ هذه الخصال سألت ربّي فأعطانيها، ومنعني هذه، وأخبرني جبريل عن الله تعالى: أن فناء أمتي بالسيف». انتهى. من حديث طويل موجود في كتاب الترغيب والترهيب.
الشرح:{يا زَكَرِيّا:} المعنى فاستجاب الله له دعاءه، فقال: يا زكريا. {إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} أي: بولد ذكر. وانظر شرحه في الآية رقم [٥٣] من سورة (الحجر). {اِسْمُهُ يَحْيى:} سماه الله بذلك؛ لأنه أحياه بالإيمان، والعلم، وإنما تولى تسميته تشريفا. وقيل: سماه يحيى؛ لأنه حيي بين أب شيخ، وأم عجوز. أو سمي بذلك؛ لأن رحم أمه قد حيي به بعد موته بالعقم. {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} أي: لم يسم أحد بيحيى قبله، ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين. وقال مجاهد، وغيره:{سَمِيًّا} معناه: مثلا، ونظيرا، وهذا فيه بعد؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم، وموسى، اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد، والحصر، كما قال في (آل عمران): {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} هذا؛ ويقرأ (زكريا) بالقصر والمد «(زكرياء)»، ومعناه في العبرية: دائم الذكر، والتسبيح.
الإعراب:{يا زَكَرِيّا:}(يا): حرف نداء ينوب مناب أدعو. (زكريا): منادى مفرد علم مبني على ضم ظاهر على قراءة المد، ومقدر على الألف على قراءة القصر. {إِنّا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها، وحذفت نونها للتخفيف، وبقيت الألف دليلا عليها. {نُبَشِّرُكَ:}
مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«نحن»، والكاف مفعول به. {بِغُلامٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ). {اِسْمُهُ:} مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة.