للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا وراثة المال، لما ثبت عن حبيبنا وشفيعنا صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة». هذا؛ ومن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا، ولا درهما إنّما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظّ وافر». رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث أبي الدرداء-رضي الله عنه-، وهو طويل.

وكذلك قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ} فإن سليمان لم يرث من داود مالا خلفه بعده، وإنما ورث منه العلم، والحكمة. هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن، وكل قول يخالف قول النبي صلّى الله عليه وسلّم فهو مدفوع مهجور، بل ويضرب به عرض الحائط.

والحكمة في أن الأنبياء لا يورثون؛ لأنه قد يقع في قلب الإنسان شهوة موت مورثه ليأخذ ماله. فنزه الله أنبياءه، وأهاليهم عن ذلك، ولئلا يظنّ بهم مبطل: أنهم يجمعون المال لورثتهم، ولأنهم كالآباء لأمتهم فيكون ما لهم لجميع الأمة، وهو معنى الصدقة العامة. هذا؛ وقد اختلف في المراد من يعقوب، فقيل: هو يعقوب بن إسحاق إسرائيل، وكان زكريا متزوجا بإيشاع أخت مريم بنت عمران. وقيل: إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل، وهي أخت حنة بنت فاقوذا، وحنة أم مريم، وأبوها من ولد سليمان بن داود، وهو من ولد يهوذا بن يعقوب، وزكريا من ولد هارون أخي موسى، وهما من ولد لاوي بن يعقوب، والنبوة كانت في أولاده. وقيل: المعني بيعقوب هاهنا يعقوب بن ماثان أخو عمران، بن ماثان أبي مريم، فهما أخوان من نسل سليمان بن داود على نبينا، وحبيبنا، وعليهم جميعا ألف ألف صلاة، وألف ألف سلام. {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} أي: مرضيا في أخلاقه وأفعاله.

الإعراب: {يَرِثُنِي:} مضارع. والفاعل يعود إلى {وَلِيًّا} والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب صفة {وَلِيًّا} أو هي مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وقد قرئ الفعل بالجزم في جواب الطلب. {وَيَرِثُ:} مضارع، والفاعل يعود إلى {وَلِيًّا} ومفعوله محذوف، تقديره: العلم، ونحوه. {مِنْ آلِ:} متعلقان بما قبلهما، و {آلِ:} مضاف، و {يَعْقُوبَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {وَاجْعَلْهُ:} فعل دعاء، وفاعله مستتر تقديره: «أنت»، والهاء مفعول به أول.

{رَبِّ:} انظر الآية رقم [٣] {مَرْضِيًّا:} مفعول به ثان، والجملة الندائية معترضة بين المفعولين، وجملة: {وَاجْعَلْهُ..}. إلخ معطوفة على جملة: {فَهَبْ لِي..}. إلخ لا محل لها مثلها.

تنبيه: ذكرت لك أنه يجوز في جملة: {يَرِثُنِي..}. إلخ وجهان: اعتبارها صفة، واعتبارها مستأنفة، وقد استشكل بعضهم الوجه الأول بناء على أنّ يحيى قتل قبل والده. كما ستعرفه في الآية رقم [١٤] بأن دعاء النبي قد يتخلف، وذلك؛ لأنه بموته قبله لم يرثه، ومعلوم ما يورث من الأنبياء، ورأى هذا المستشكل أن اعتبار الجملة مستأنفة أقوى، وأجيب بأن دعاء الأنبياء قد

<<  <  ج: ص:  >  >>