مثلها في: (ربّما قام زيد). ويرد أبو حيّان ذلك، ويقول: ينبغي ألا تجعل كافة إلا في المكان الذي لا تتقدر فيه مصدرية.
{وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤)}
الشرح: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا:} ويقرأ: («لاقوا») فأصل {لَقُوا:} لقيوا بوزن: شربوا، فحذفت الضمّة التي على الياء لثقلها، فالتقى ساكنان، الياء، والواو، فحذفت الياء لعلة الالتقاء؛ لأنها حرف علة، ثم أبدلت كسرة القاف ضمة لمناسبة الواو. هذا؛ ومعنى لقي:
صادف، وله مصادر كثيرة، منها: اللّقيّ بضم اللام وكسر القاف، واللّقى بضم اللام مقصورا، واللّقاء بكسرها ممدودا ومقصورا، وأصل: لاقوا، لاقيوا، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فصار: لاقاوا، فاجتمع ساكنان: الألف، والواو، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار: لاقوا، وبقيت الفتحة على القاف دليلا على الألف المحذوفة. ويقال في إعلاله أيضا:
استثقلت الضمة على الياء، فحذفت، فالتقى ساكنان: ياء العلة وواو الجماعة، فحذفت الياء، وبقيت واو الجماعة. وما ذكرته يجري في إعلال كلّ ناقص، مثل: نجا، ورمى، وسعى، ودعا، وغزا. هذا وتحرك واو الجماعة في («لاقوا») بالضمة إذا لقيها ساكن، كما في قوله تعالى:
{أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى} ولم تحرك بالكسرة؛ لأن الكسرة لا تناسبها، وقيل:
حركت بالضم دون غيره؛ ليفرق بين الواو الأصلية وبين واو الجماعة في نحو قولك: (لو اجتهدت لنجوت). وقيل: حركت بحركة الياء المحذوفة، وقيل: ضمت لأن الضمة هنا أخف من الكسرة؛ لأنها من جنس الواو، وقيل غير لك، فإن قيل: لم ضمت الواو في: لاقوا إذا لقيها ساكن، ولا تضم في: لقوا؟ فالجواب: أن قبل الواو التي في لقوا ضمة، فلو حركت بالضم، لثقل على اللسان النطق بها، فحذفت لثقلها، وحركت في: لاقوا؛ لأن قبلها فتحة فلم تثقل مثل تلك. {قالُوا آمَنّا:} أي بالله، ورسوله، واليوم الآخر... إلخ. {وَإِذا خَلَوْا:} رجعوا.
وخلوت بفلان، وإليه: إذا انصرفت إليه، ولذا صح وصل الفعل بإلى، وكان حقه أن يوصل بالباء، فيقال: خلوا بشياطينهم، ومنه قول الفرزدق، وهو الشاهد رقم [١١٦٦] من كتابنا فتح القريب المجيب: [الرجز]
كيف تراني قالبا مجنّي؟ ... قد قتل الله زيادا عنّي
إذ المعنى: صرف الله زيادا عنّي. هذا؛ وإعلال {خَلَوْا} مثل إعلال (لاقوا). {إِلى شَياطِينِهِمْ:} جمع شيطان على التكسير، وقد تقدم القول في اشتقاقه ومعناه في الاستعاذة.
والمراد ب {شَياطِينِهِمْ:} رؤساء الكفر، والنفاق؛ الذين ماثلوا الشيطان في الإفساد، والفساد،