للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)}

الشرح: {الرَّحْمنُ:} قال سعيد بن جبير، وعامر الشعبي: {الرَّحْمنُ} فاتحة ثلاث سور؛ إذا جمعن كنّ اسما من أسماء الله تعالى (الر) و (حم) و (ن) فيكون مجموع هذه (الرحمن). هذا؛ وقد يوصف بالرحيم المخلوقون، وأما الرحمن فلا يوصف به إلا الله تعالى، ومن وصف به مسيلمة الكذاب؛ فقد تعنّت، حيث قال فيه: [البسيط] وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

{عَلَّمَ الْقُرْآنَ} أي: علمه نبيه صلّى الله عليه وسلّم حتى أدّاه إلى جميع الناس، وأنزلت حين قالوا: {وَمَا الرَّحْمنُ} وقيل: نزلت جوابا لأهل مكة حين قالوا: {إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} وهو رحمن اليمامة:

يعنون: مسيلمة الكذاب، وهذه هفوة من القرطبي-رحمه الله تعالى-انظر شرح الاية رقم [١٠٣] من سورة (النحل) تجد: أنه لا ذكر لمسيلمة الكذاب هناك. وقال الزجاج: معنى {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} سهله؛ لأن يذكر، ويقرأ، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}. {خَلَقَ الْإِنْسانَ:} يعني آدم عليه الصلاة والسّلام. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-. وقيل: المراد: جنس الإنسان؛ أي: جميع الناس. {عَلَّمَهُ الْبَيانَ:} أسماء كل شيء. وقيل: علمه اللغات كلها، فكان آدم يتكلم بسبعمئة لغة أفضلها العربية. وقيل: أراد بالإنسان محمدا صلّى الله عليه وسلّم، و {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} يعني: بيان ما كان، وما يكون؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم ينبئ عن خبر الأولين؛ والاخرين، وعن يوم الدين. وقيل: علمه بيان الأحكام من الحلال، والحرام، والحدود، والأحكام، وبيان النافع، والضار.

هذا؛ والبيان في اللغة: المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير. وفي الاصطلاح: أحد فنون البلاغة الثلاثة، وهو يبحث في التشبيه، والاستعارة، والمجاز، والكناية. وقد مر معنا كثير من ذلك في هذا الكتاب.

تنبيه: عدد الله عز وجل في أول هذه السورة آلاءه، ونعمه، فأراد أن يقدم أول شيء ما هو أسبق قدما من ضروب آلائه، وصنوف نعمائه، وهي نعمة الدين، فقدم من نعمة الدين ما هو سنام في أعلى مراتبها، وأقصى مراقيها، وهو إنعامه بالقرآن، وتنزيله، وتعليمه؛ لأنه أعظم وحي الله رتبة، وأعلاه منزلة، وأحسنه في أبواب الدين أثرا، وهو سنام الكتب السماوية، ومصداقها، والعيار عليها، وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره، ثم أتبعه إياه؛ ليعلم: أنه إنما خلقه للدين، وليحيط علما بوحيه، وكتبه، وقدم ما خلق الإنسان من أجله عليه، ثم ذكر ما يميزه عن سائر الحيوان من البيان، وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير. انتهى. نسفي والكشاف.

الإعراب: {الرَّحْمنُ:} فيه ثلاثة أوجه: أحدهما: أنه خبر مبتدأ مضمر، التقدير: الله الرحمن. الثاني: أنه مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: الرحمن ربنا، وهذان الوجهان عند من يرى:

<<  <  ج: ص:  >  >>