للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)}

الشرح: {وَمِنْ آياتِهِ} أي: من دلائل قدرته، وعلامات ربوبيته، ووحدانيته. {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً} أي: لأن حواء خلقت من ضلع آدم عليهما السّلام، وسائر النساء خلقن من نطف الرجال، أو لأنهن من جنسهم لا من جنس آخر. {لِتَسْكُنُوا إِلَيْها:} لتميلوا إليها، وتأنسوا بها؛ لأنهن من جنسكم، لا من جنس آخر، وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الإلف، والسكون، وما بين الجنسين المختلفين من التنافر، يقال: سكن إليه إذا مال إليه، وأنس به. هذا؛ والمودة، والرحمة، والألفة التي تقع بين الزوجين ظاهرة لا خفاء فيها.

{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} أي: محبة، وشفقة متبادلتين، فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: المودة حبّ الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء. انتهى.

والعكس صحيح، وعن ابن عباس، ومجاهد، والحسن: المودة الجماع، والرحمة: الولد، ولا أراه قويا، فلعله متقوّل عليهم. {إِنَّ فِي ذلِكَ} أي: الخلق. {لَآياتٍ:} لعلامات واضحة على قدرته تعالى. {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ:} وإذا تفكروا؛ اتعظوا، وإذا اتعظوا؛ آمنوا، وعبدوا الله، والتفكير في صنع الله أعظم عبادة يقوم بها العبد، وقد ورد: لتفكّر ساعة في صنع الله أفضل من عبادة ستّين سنة. وورد: تفكّروا في آلاء الله، ولا تفكّروا في الله، فإنه لا تحيط به الفكرة.

وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا عبادة كالتّفكّر». لأنه المخصوص بالقلب، والمقصود من الخلق، وعنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «بينما رجل مستلق على فراشه، إذ رفع رأسه، فنظر إلى السماء والنّجوم، فقال: أشهد أنّ لك ربّا، وخالقا، اللهمّ اغفر لي! فنظر الله إليه، فغفر له».

هذا؛ والفكر: تصرف القلب في طلب الأشياء. وقال صاحب المفردات: الفكر: قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر: جريان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يكون له صورة في القلب. انتهى. هذا؛ والفكر يؤدي إلى الوقوف على المعاني المطلوبة من التآنس، والتجانس بين الأشياء كالزوجين.

الإعراب: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ:} انظر الآية السابقة فالإعراب واحد لا يتغير. {لَكُمْ:}

جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ أَنْفُسِكُمْ:} متعلقان بالفعل {خَلَقَ} أيضا، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {أَزْواجاً:} مفعول به. {لِتَسْكُنُوا:} فعل مضارع منصوب ب‍: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل: {خَلَقَ} أيضا. {إِلَيْها:} جار ومجرور متعلقان

<<  <  ج: ص:  >  >>