{بُشِّرَ..}. إلخ ولكن قد تستعمل البشارة بالشر وبما يسوء على سبيل التهكم، والاستهزاء، كما في قوله تعالى:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ}. {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} أي: صار وجهه، ودام النهار كله مسودا من الكآبة، والحياء من الناس، والمقت الذي حصل له من تلك البشارة. {وَهُوَ كَظِيمٌ:}
مملوء غيظا، وحزنا. وانظر زيادة على ذلك في الآية رقم [٨٤] من سورة (يوسف) على نبينا، وعليه أعظم صلاة، وأزكى سلام. وانظر شرح:{أَحَدُهُمْ} في الآية رقم [٨١] من سورة (هود) عليه السّلام. وانظر شرح (ظلوا) في الآية رقم [١٤] من سورة (الحجر).
الإعراب:(إذا): انظر الآية رقم [٥٣]{بُشِّرَ:} ماض مبني للمجهول. {أَحَدُهُمْ:} نائب فاعل، والهاء في محل جر بالإضافة. {بِالْأُنْثى:} متعلقان بالفعل قبلهما، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها على المشهور المرجوح. {ظَلَّ:} ماض ناقص. {وَجْهُهُ:} اسم {ظَلَّ،} والهاء في محل جر بالإضافة.
{مُسْوَدًّا:} خبر ظل، وجملة:{ظَلَّ..}. إلخ جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. وقال الجمل: الجملة حال من الواو في يجعلون، وينقصه أن إذا للاستقبال، والجملة الاسمية:{وَهُوَ كَظِيمٌ} في محل نصب حال من الضمير المجرور محلا بالإضافة، والرابط: الواو، والضمير.
{يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩)}
الشرح:{يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ:} يستخفي منهم، وذلك: أن العرب كانوا في الجاهلية إذا قربت ولادة زوجة أحدهم؛ توارى من القوم إلى أن يعلم ما ولد له، فإن كان ولدا؛ ابتهج، وسرّ بذلك، وظهر، وإن كانت أنثى؛ حزن، ولم يظهر أياما؛ حتّى يفكر ما يصنع بها.
{مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ:} يختفي من قبح الذي بشر به، وهو ولادة الأنثى. {أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ:} على هوان وذلة، وذكّر الضمير؛ لأنه عائد إلى ما بشر به في قوله تعالى:{وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ} ومعنى إمساكه: إبقاؤه حيا. {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ:} يخفي الذي بشر به في التراب، والدّسّ: إخفاء الشيء في الشيء. {أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ} أي: بئس ما يصنعون ويقضون حيث جعلوا لله ما يكرهون، ويجعلون لأنفسهم ما يحبون، قال تعالى في سورة (النجم) موبخا لهم:
تنبيه: قال أهل التفسير: إنّ مضر، وخزاعة، وتميما كانوا يدفنون البنات أحياء، والسبب في ذلك: إما خوف الفقر، وكثرة العيال، ولزوم النفقة، أو الحميّة. فيخافون عليهن من الأسر، ونحوه، أو طمع غير الأكفاء فيهنّ حتى نتج عن ذلك نقص في الإناث في بعض القبائل. ولذا