اضطر الواحد منهم إلى الزواج من قبيلة أخرى بمهر كبير جدا؛ فكان الرجل منهم في الجاهلية؛ إذا ولدت له بنت، وأراد أن يستحييها؛ تركها حتى إذا كبرت ألبسها جبّة من صوف، أو شعر، وجعلها ترعى الإبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها؛ تركها حتى إذا صارت سداسيّة، قال لأمّها زيّنيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، ويكون قد حفر لها حفرة في الصحراء، فإذا بلغ بها تلك الحفرة، قال لها: انظري إلى هذه البئر، فإذا نظرت إليها دفعها من خلفها في تلك البئر، ثم يهيل عليها التراب، وكان صعصعة بن ناجية عم الفرزدق الشاعر؛ إذا أحس بشيء من ذلك؛ وجه إلى والد البنت إبلا يستحييها بذلك، فقال الفرزدق يفتخر بذلك:[المتقارب]
وعمّي الّذي منع الوائدات... وأحيا الوئيد فلم يوأد
وجملة القول: أن العرب جميعا كانوا في الجاهلية يكرهون البنات، ويتبرمون من الأخوات، ويحزنون عند ولادة الأنثى، ويعاملونها معاملة لا ترضي المولى، وخطب إلى عقيل بن علّفة ابنته الجرباء، فقال:[الرجز]
إني وإن سيق إليّ المهر... ألف وعبدان وخور عشر
أحبّ أصهاري إليّ القبر
الخور: جمع: خوارة، وهي الناقة الغزيرة اللّبن. وقال عبد الله بن طاهر:[الطويل]
لكلّ أبي بنت يراعي شئونها... ثلاثة أصهار إذا حمد الصّهر
فلما جاء الإسلام؛ دفع عن البنت هذا الاستهتار، وحماها من الاضطهاد، ورفع لها الشأن، والعماد، ومنحها من الحقوق والواجبات ما لم تحلم به أنثى في ديانة من الديانات، فحرّم وأدها، وملكها ميراثها، وأعطاها حق الإعراب عن رأيها، وجعلها مسئولة أمام الله عن عملها، تثاب على عمل الخير، وتعاقب على عمل الشر، قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} الآية رقم [٩٧] الآتية.
بل ذهب الإسلام في رعاية البنت مذهبا فريدا، وسلك في كفالة الأخت مسلكا عظيما؛ حيث جعل لمن أنفق عليهنّ، وقام بتربيتهن، وصبر على رعايتهن حتى يمتن، أو يتزوجن ثواب المجاهدين الصادقين وأجر الصائمين القائمين، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهنّ، واتّقى الله فيهنّ فله الجنة». رواه الترمذي. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: