للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الآية الثانية؛ فإنّه تعالى قال: {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} والمراد: أنّه تعالى منزّه عن طاعات الطائعين، وعن ذنوب العاصين، وأنّه لا يزداد جلاله بالطّاعات، ولا ينقص بالمعاصي. وقيل: لمّا بيّن: أنّه له ما في السموات وما في الأرض، وقال بعد ذلك: {وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً} فالمراد منه: أنّه تعالى هو الغنيّ، وله الملك، فاطلبوا منه ما تطلبون، فهو يعطيكم؛ لأنّ له ما في السموات وما في الأرض.

وأمّا الثالثة؛ فقال تعالى: {وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ..}. إلخ؛ أي: فتوكّلوا عليه، ولا تتوكّلوا على غيره، فإنّه المالك لما في السموات وما في الأرض. وقيل: تكريرها تعديد لما هو موجب تقواه، أي: تتقوه، وتطيعوه، ولا تعصوه؛ لأنّ التقوى، والخشية أصل كلّ خير.

هذا؛ وكرّر السّماوات، والأرض، وخصّهما في الذّكر هنا، وفي كثير من الآيات؛ لأنّهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وجمع السّماوات دون الأرض، وهي مثلهنّ سبعا؛ بدليل قوله تعالى في سورة (الطّلاق) [١٢]: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} لأنّ صفاتها مختلفة بالذّات، متفاوتة في الصفات، والآثار، والحركات، وقدّمها لعلوّ مكانها، وشرفها، وتقدّم وجودها، ولأنّها متعبّد الملائكة، ولم يقع فيها معصية كما في الأرض، وأيضا: لأنّها كالذّكر، فنزول المطر من السّماء على الأرض كنزول المني من الذّكر في المرأة، ولأنّ الأرض تنبت، وتخضرّ بالمطر، ووحّد الأرض؛ لأنّها بجميع طبقاتها جنس واحد، وهو التّراب. هذا؛ وأطلق الله (ما) على من في السموات والأرض، وفيهما من يعقل، ومن لا يعقل، وذلك من باب التّغليب، كما تطلق (من) على ما فيهما أيضا.

{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣)}

الشرح: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ:} يفنيكم جميعا بالموت، والإهلاك. {أَيُّهَا النّاسُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد المشركين؛ والمنافقين. وقيل: الآية عامّة، وهو أولى.

{وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} يعني: بغيركم، أي: يخلق أطوع لله منكم، وهو مثل قوله تعالى في سورة (محمد) صلّى الله عليه وسلّم: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} وقال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ}.

قال الكلبي: هم كندة، والنخع من عرب اليمن. وقال الحسن: هم العجم. وقال عكرمة:

هم فارس، والرّوم، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا..}. إلخ، فقالوا: ومن يستبدل منّا يا رسول الله؟! قال: فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منكب سلمان الفارسي-رضي الله عنه-ثمّ قال: «هذا، وأصحابه». أخرجه الترمذي، وقال: حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>