الشرح: قال أهل التفسير: إن بني عمرو بن عوف بنوا مسجد قباء، وبعثوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم أن يأتيهم، فأتاهم فصلى فيه، فحسدهم إخوانهم بنو غنم بن عوف، فقالوا: نبني مسجدا، ونبعث إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، يأتينا، فيصلي لنا كما صلى في مسجد إخواننا، ويصلي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، فأتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله! قد بنينا مسجدا لذي الحاجة، والعلة، والليلة المطيرة، ونحب أن تصلي فيه، وتدعو لنا بالبركة، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«إني على سفر، وحال شغل، فلو قدمنا لأتيناكم وصلّينا لكم فيه». فلما رجع عليه الصلاة والسّلام من تبوك، أتوه، وقد فرغوا منه، وصلوا فيه الجمعة والسبت، والأحد، فدعا بقميصه ليلبسه، ويأتيهم، فنزلت الآية الكريمة، وما بعدها، فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي، وعامر بن السكن، ووحشيا قاتل حمزة، فقال:«انطلقوا إلى هذا المسجد الظّالم أهله، فاهدموه وأحرقوه». فخرجوا مسرعين، فأحرقوا المسجد وهدموه، واتخذ مكانه كناسة، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا من رؤساء المنافقين، قال عكرمة رحمه الله: سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا منهم بماذا أعنت في هذا المسجد؟ فقال: أعنت فيه بسارية، فقال: أبشر بها، سارية في عنقك من نار جهنم.
بعد هذا انظر شرح (مسجدا) في الآية رقم [٢٩] من سورة (الأعراف). {ضِراراً} أي:
للمؤمنين، روى الدارقطني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لا ضرر، ولا ضرار، من ضارّ ضرّ الله به، ومن شاقّ شاقّ الله عليه».
قال بعض العلماء: الضرر الذي لك به منفعة، وعلى جارك فيه مضرة، والضرار الذي ليس لك فيه منفعة، وعلى جارك فيه المضرة، وقيل: هما بمعنى واحد، تكلم بهما جميعا على جهة التأكيد، هذا؛ وقد قال العلماء: وكل مسجد بني على ضرار، أو رياء، أو سمعة، فهو في حكم مسجد الضرار، لا تجوز الصلاة فيه.
{وَكُفْراً} أي: بالله ورسوله، أو بنوه تقوية للكفر، ومكيدة للإسلام والمسلمين، {وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي: بين جماعة المؤمنين في مسجد واحد، وهذا دليل على أن الحكمة من صلاة الجماعة تأليف القلوب، وجمع الكلمة على الطاعة، وتوحيد الصفوف أمام المصاعب التي تنوب المسلمين، ولكن أكثر المسلمين لا يفقهون هذا. {وَإِرْصاداً}: ترقبا، وانتظارا {لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} أي: من قبل بناء مسجد الضرار، والمراد به أبو عامر الراهب، سمي