{وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ:} مالت عن مستوى نظرها حيرة، وشخوصا، فلم تلتفت إلا إلى عدوها دهشا من شدة الهول. {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} أي: زالت عن أماكنها من الصدور حتى بلغت الحناجر، وهي الحلاقيم، واحدها: حنجرة، وذلك من شدة الخوف، فإن الرئة تنتفخ من شدة الروع، فترتفع إلى رأس الحنجرة، وهي منتهى الحلقوم، مدخل الطعام، والشراب.
وقيل: إنه مثل يضرب من شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجر، وإن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة. {وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} أي: الأنواع المختلفة من الظن، فظن المؤمنون الصادقون، الثبت القلوب: أن الله منجز وعده في إعلاء دينه، وظن الضعاف الإيمان، والمنافقون: أن المسلمين يستأصلون. والآيات التالية تقص علينا ما تفوهوا به من كلام، وما ظهر منهم من نفاق.
الإعراب:{إِذْ:} بدل من {إِذْ جاءَتْكُمْ..}. إلخ. {جاؤُكُمْ:} ماض، وفاعله، ومفعوله.
والجملة الفعلية في محل جر بإضافة:{إِذْ} إليها. {مِنْ فَوْقِكُمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، والكاف في محل جر بالإضافة. (من أسفل):
معطوفان على ما قبلهما، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للصفة ووزن أفعل. {مِنْكُمْ:} متعلقان ب: {أَسْفَلَ}. {وَإِذْ:} الواو: حرف عطف. (إذ): معطوف على ما قبله. {زاغَتِ:} ماض، والتاء للتأنيث. {الْأَبْصارُ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذ) إليها، وجملة:{وَبَلَغَتِ..}. إلخ معطوفة عليها، فهي في محل جر مثلها.
{وَتَظُنُّونَ:} الواو: حرف عطف. (تظنون): مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله. {بِاللهِ:} متعلقان بما قبلهما. {الظُّنُونَا:} مفعول به، أو هو مفعول مطلق على اعتباره جمع الظن، والألف للإطلاق، وجملة:{وَتَظُنُّونَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها، والمضارع بمعنى الماضي، كما هو ظاهر؛ ليتناسب المتعاطفان.
الشرح:{هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ:} امتحنوا، واختبروا؛ ليتبين المخلص من المنافق، وكان هذا الابتلاء بالخوف، والقتال، والجوع، والبرد، والمحاصرة، والنزال. {وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً} أي: حركوا تحريكا عظيما. قال الزجاج: كل مصدر من المضاعف على فعلال يجوز فيه الكسر، والفتح، نحو قلقلته قلقالا وقلقالا، وزلزلوا زلزالا وزلزالا، والكسر أجود؛ لأن غير المضاعف على الكسر، نحو: دحرجته دحراجا.
الإعراب:{هُنالِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية، أو على المكانية-وهو أقوى-متعلق بالفعل بعده، وأجيز تعليقه ب:{الظُّنُونَا،} وعليه فالوقف على آخره، وعلى الأول فالوقف على {الظُّنُونَا،} وهو الأقوى. واللام للبعد، والكاف حرف