للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧)}

الشرح: {فَلَوْلا} أي: فهلا. {إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} أي: بلغت النفس، أو الروح إلى الحلقوم عند الموت، والحلقوم: ممر الطعام، والشراب. {وَأَنْتُمْ:} يا أهل الميت. {حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} يعني: إلى الميت متى تخرج روحه. وقيل: تنظرون إلى أمري، وسلطاني، لا يمكنكم الدفع، ولا تملكون شيئا. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} أي: بالعلم، والقدرة، والرؤية. قال عامر بن عبد القيس: ما نظرت إلى شيء إلا رأيت الله تعالى أقرب إليّ منه. وقيل: أراد: ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إلى الميت منكم. والضمير المجرور ب‍: (إلى) يعود إلى المحتضر، وهو غير مذكور، لكنه مفهوم من المقام. {وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ} أي: الذين حضروه من الملائكة لقبض روحه. {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي: غير مملوكين ومقهورين. قال الفراء، وغيره: دنته:

ملكته، وأنشد للحطيئة: [الوافر] لقد ديّنت أمر بنيك حتّى... تركتهم أدقّ من الطّحين

وقيل: معنى مدينين: محاسبين، ومجزيين بأعمالكم، ومنه قوله تعالى في سورة (الصافات) حكاية عن قول منكر البعث، والجزاء: {أَإِنّا لَمَدِينُونَ} أي: لمجزيون، ومحاسبون. {تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} أي: تردون نفس هذا الميت إلى جسده بعدما بلغت الروح الحلقوم.

والمعنى: إنكم في جحودكم آيات الله في كل شيء؛ إن أنزل عليكم كتابا معجزا؛ قلتم:

سحر، وافتراء. وإن أرسل عليكم رسولا صادقا؛ قلتم: ساحر كذاب. وإن رزقكم مطرا يحييكم به؛ قلتم صدق نوء كذا، على مذهب يؤدي إلى الإهمال، والتعطيل. فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن بعد بلوغها الحلقوم، وإن لم يكن ثمة قابض، وكنتم صادقين في تعطيلكم، وكفركم بالمحيي المميت، المبدئ المعيد. انتهى. كشاف، ونسفي.

هذا؛ وأصل {كُنْتُمْ} كونتم، فقل في إعلاله: تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فصار: «كانتم» التقى ساكنان: الألف وسكون النون، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار (كنتم) بفتح الكاف، ثم أبدلت الفتحة ضمة لتدل على الواو المحذوفة، فصار: كنتم. وهناك إعلال آخر، وهو أن تقول: أصل الفعل: كون، فلما اتصل بضمير رفع متحرك نقل إلى باب فعل، فصار «كونت» ثم نقلت حركة الواو إلى الكاف قبلها، فصار: «كونت» فالتقى ساكنان:

العين المعتلة، ولام الفعل، فحذفت العين وهي الواو لالتقاء الساكنين، فصار: «كنت» وهكذا قل في إعلال كل فعل أجوف واوي مسند إلى ضمير رفع متحرك، مثل: قال، وقام، ونحوهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>