{وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨)}
الشرح: المعنى: وكيف تصبر يا موسى على أمور تراها مني، ولم تعلم أسرارها، وبواطنها، وهي مخالفة لشرعك في ظواهرها. هذا؛ وإن المتعلم على قسمين: متعلم ليس عنده شيء من العلوم، ولم يمارس الاستدلال، ولم يتعود التقرير، والاعتراض. ومتعلم حصل العلوم الكثيرة، ومارس الاستدلال، والاعتراض، ثم إنه يريد أن يخالط إنسانا أكمل منه، ليبلغ درجة الكمال، فالتعلم في حق هذا القسم الثاني: شاقّ شديد؛ لأنه إذا رأى شيئا، أو سمع كلاما، فربما يكون ذلك في الظاهر منكرا عنده إلا أنه في الحقيقة صواب حق، ويمكن أن يكون موسى-على حبيبنا، وشفيعنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-من القسم الثاني. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{وَكَيْفَ:} الواو: حرف استئناف. (كيف): اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال عامله ما بعده، وهو مفيد للتعجب. {تَصْبِرُ:} مضارع، وفاعله مستتر فيه تقديره:«أنت». {عَلى ما:} متعلقان بما قبلهما، و {ما:} تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر ب:{عَلى}. {لَمْ:} حرف جازم. {تُحِطْ:} مضارع مجزوم ب: {لَمْ،} والفاعل مستتر تقديره: «أنت». {بِهِ:} متعلقان به، والجملة الفعلية صلة {ما،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط: الضمير المجرور محلا بالباء. {خُبْراً:} مفعول مطلق؛ لأنه مرادف لمصدر {تُحِطْ} وملاق له في المعنى، وأجيز اعتباره تمييزا، والجملة:{وَكَيْفَ تَصْبِرُ.}. إلخ مستأنفة، وهي من مقول الخضر عليه السّلام.
الشرح:{قالَ} أي: موسى. {سَتَجِدُنِي إِنْ..}. إلخ: أي: سأصبر إن شاء الله على ما أرى من أفعالك، وتصرفاتك، ولا أخالفك في أمر تريده، ولا أعترض عليك بشيء أراه منك. وتعليق الوعد بالمشيئة، إما للتيمن، أو لعلمه بصعوبة الأمر، فإن مشاهدة الفساد، والصبر على خلاف المعتاد أمر صعب وشاق. وفيه دليل على أنّ أفعال العباد واقعة بمشيئة الله تعالى. وقد اختلف في الاستثناء: هل يشمل عدم العصيان؟ فقيل: يشمله. وقيل: استثنى في الصبر، فصبر، وما استثنى في قوله:{وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} فاعترض، وسأل. بعد هذا انظر (الصبر) في الآية رقم [٤٢] من سورة (النحل) والمحال عليها أيضا في سورة (الرعد). وانظر شرح (القول) في الآية رقم [١٦] من سورة (الإسراء)، وشرح لفظ الجلالة في الآية رقم [١]. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{قالَ:} ماض، وفاعله يعود إلى {مُوسى}. {سَتَجِدُنِي:} السين: حرف استقبال.