للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تباركت لا معط لشيء منعته... وليس لما أعطيت يا ربّ مانع

وقال آخر: [الطويل]

تباركت ما تقدر يقع ولك الشّكر

{بِيَدِهِ الْمُلْكُ} أي: بتصرفه، وتحت قدرته وإرادته ملك السموات والأرض في الدنيا، والآخرة، وهو مستول على كل موجود، وهو مالك الملك يؤتيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويحيي، ويميت، ويغني، ويفقر، ويعطي، ويمنع. وهذا تأويل الخلف. والسلف يقولون: لله يد تليق به لا نعلمها. ومذهب السلف في هذه المتشابهات أسلم، ومذهب الخلف أحكم. {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:} من المقدورات، أو من الإنعام، والانتقام.

الإعراب: {تَبارَكَ:} فعل ماض. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. {بِيَدِهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والتقديم يفيد الاختصاص، والهاء في محل جر بالإضافة. {الْمُلْكُ:}

مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية صلة الموصول، لا محل لها. هذا؛ وإن اعتبرت الجار والمجرور متعلقين بمحذوف صلة الموصول؛ ف‍ {الْمُلْكُ} يكون فاعلا بمتعلقهما، التقدير: الذي استقر، أو ثبت بيده الملك، وهو كلام في غاية البلاغة، والفصاحة. {وَهُوَ:} (الواو): حرف عطف (هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، {عَلى كُلِّ:} متعلقان ب‍ {قَدِيرٌ} بعدهما، و {كُلِّ} مضاف، و {شَيْءٍ:} مضاف إليه. {قَدِيرٌ:} خبر المبتدأ. والجملة الاسمية معطوفة على جملة الصلة لا محل لها مثلها، قال الجمل: وأرى صحة اعتبارها حالا من الموصول، والرابط: الواو، والضمير، والاستئناف ممكن أيضا. تأمل، وتدبر.

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢)}

الشرح: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ:} قيل: أراد موت الإنسان، وحياته في الدنيا، جعل الله الدنيا دار حياة، وفناء، وجعل الآخرة دار جزاء، وبقاء، وإنما قدم الموت؛ لأنه أقرب إلى قهر الإنسان.

وقيل: قدّمه؛ لأنه أقدم، وذلك؛ لأن الأشياء كانت في الابتداء في حكم الموتى، كالتراب، والنطفة، والعلقة، ونحو ذلك، ثم طرأت عليها الحياة. ولا تنس الطباق بين الموت، والحياة.

{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أي: ليعاملكم معاملة المختبر لأحوالكم كيف تعملون؟ فإن ما خلقه الله في هذه الدنيا زينة للأرض، ومتاع لكم، وأسباب ومواد لوجود بني آدم ومعاشهم، وما تحتاج إليه أعمالهم، ودلائل، وأمارات يستدلون بها، ويستنبطون منها معرفة الواحد الأحد، فيبعثهم ذلك على الإيمان به، وإخلاص العبادة له. وقيل: في الكلام استعارة تمثيلية تبعية. ولا وجه له. فعن

<<  <  ج: ص:  >  >>