للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦)}

الشرح {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية [١٣٠]. {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: المنافقين عبد الله بن أبيّ، وأصحابه. وأطلق الله عليهم لفظ: الكفر؛ لأنهم أخبث من الكفار في كلّ زمان ومكان، وفي الآخرة يكون عذابهم أشدّ من عذاب الكفار. قال تعالى في سورة (النساء): {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ}. {وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ} يعني: إخوانهم في النفاق، والكفر.

وقيل: لإخوانهم في النسب، وكانوا مسلمين، فيكون المراد بهم الّذين بعثهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى بئر معونة، ويطلق عليهم اسم القراء. {إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} يعني: سافروا في الأرض لتجارة، وغيرها. ففيه استعارة تشبيها للمسافر في البر بالسّابح الضارب في البحر؛ لأنه يضرب بأطرافه في غمرة الماء شقّا لها، واستعانة على قطعها.

{أَوْ كانُوا غُزًّى} أي: خرجوا غازين في سبيل الله. فهو جمع: غاز، أي: خارج للحرب، والقياس: غزاة؛ لأنه جمع: غاز، وهو اسم منقوص، كقاض، وقضاة، لكنّه جاء على: فعّل حملا على الصّحيح، نحو: شاهد، وشهّد، وغائب، وغيّب، ونائم، ونوّم، وصائم، وصوّم... إلخ.

{لَوْ كانُوا عِنْدَنا} أي: مقيمين في بلدنا معنا. {ما ماتُوا وَما قُتِلُوا} لأن المنافقين يعتقدون أن الموت، والقتل بسبب السفر في الأرض، أو الخروج إلى الحرب، لا بالأجل.

{لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ} أي: ظنهم، وقولهم. {حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} غمّا، وتأسّفا في قلوبهم، والحسرة: شدّة الندم، وتألّم القلب على شيء فات، لا يمكن تداركه، قال الشاعر: [الطويل]

فوا حسرتي لم أقض منها لبانتي... ولم أتمتّع بالجوار وبالقرب

وقيل: ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم يوم القيامة؛ لما هم فيه من الخزي، والنّدامة، ولما فيه المسلمون من النعيم، والكرامة. هذا؛ وجمعها: حسرات انظر الآية رقم [١٦٧]: من سورة (البقرة) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. وقد تكلّم الزمخشري في فاعل الحسرة في هذه الآية بما يوافق مذهبه الاعتزالي، ولم يتعرّض له ابن المنير كعادته.

{وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي: إنّ الله هو المؤثر في الحياة، والممات، لا الإقامة، ولا السفر، فإن الله قد يبقي المسافر، والغازي حيّا، ويميت المقيم في بيته، والقاعد في أهله. وهذا واقع ومشاهد. وفيه ردّ لما يعتقده المنافقون، وضعفاء الإيمان. {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:} فيه تهديد

<<  <  ج: ص:  >  >>