الشرح:{فَإِنْ حَاجُّوكَ:} الخطاب لسيّد الخلق، وحبيب الحقّ محمد صلّى الله عليه وسلّم. وواو الجماعة عائدة على اليهود، والنصارى. {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ} أي: انقدت لله بقلبي، ولساني، وجميع جوارحي، وإنّما خصّ الوجه بالذكر؛ لأنه أشرف الجوارح الظّاهرة، وأجمعها، فإذا خضع وجه الإنسان لشيء؛ فقد خضع له سائر جوارحه، قال الشاعر: وهو زيد بن عمرو بن نفيل، وهو من المتحنفين في الجاهلية:[المتقارب]
أسلمت وجهي لمن أسلمت... له المزن تحمل عذبا زلالا
هذا؛ ويعبّر بالوجه عن الذات، ومنه قوله تعالى في سورة (الرحمن): {وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} وفي آخر سورة (القصص): {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ} ومثله في سورة (البقرة) رقم [١١٢]، فيكون مجازا مرسلا من إطلاق الجزء، وإرادة الكلّ.
وقيل: أراد بالوجه العمل، أي: أخلصت عملي لله، وقصدت بعبادتي الله. {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} أي: أسلم وجهه لله، كما أسلمت. ويجمع وجه: على وجوه، ويقال: أجوه بإبدال الواو همزة.
{وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ:} وهم اليهود، والنصارى، وعبّر عنهم ب {أُوتُوا الْكِتابَ} زيادة في التشنيع، والتقبيح عليهم، فإنّ كفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، واختلافهم فيما بينهم مع علمهم بالتوراة، والإنجيل في غاية القبح، والشّناعة، ولكنهم في هذه الأيام اتّحدوا، واتّفقوا على معاداة العرب والمسلمين، {وَالْأُمِّيِّينَ} يعني: العرب الوثنيين، ووصف العرب بالأميين للذمّ ما عدا النبي صلّى الله عليه وسلّم فإنّه وصف في سورة (الأعراف) بالأميّ للمدح، والتّشريف، والتّعظيم. وانظر الآية [٧٥] الآتية.
{أَأَسْلَمْتُمْ:} لفظه: استفهام، ومعناه: أمر، أي: أسلموا، {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} يعني: إلى الفوز، والفلاح، والنجاح في الدنيا، والآخرة. فلما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية على اليهود الذين كانوا في المدينة، وعلى النصارى الذين جاءوا من نجران؛ قالوا جميعا: قد أسلمنا. فقال صلّى الله عليه وسلّم لليهود:«أتشهدون: أن موسى كليم الله، وعبده، ورسوله، وعزير نبيّ».
فقالوا: معاذ الله! وقال للنصارى: «أتشهدون: أن عيسى كلمة الله، وعبده، ورسوله». قالوا:
معاذ الله أن يكون عيسى عبدا!
{وَإِنْ تَوَلَّوْا:} أعرضوا عن الإيمان بك يا محمد، وعن شريعتك، ولم يقبلوا منك ما قلت لهم. {فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ} يعني: عليك تبليغ الرسالة، وليس عليك هدايتهم، كما قال تعالى