للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)}

الشرح: أي: إذا أصابني المرض فهو يبرئني ويعافيني من المرض، فقد أضاف المرض إلى نفسه استعمالا للأدب، وإن كان المرض، والشفاء من الله تعالى: وذلك كما قال الخضر:

{فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها،} وقال: {فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما}.

قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: وإنما لم ينسب المرض إليه تعالى؛ لأن مقصوده تعداد النعم، ولا ينتقض بإسناد الإماتة إليه، فإن الموت من حيث إنه لا يحسن به، لا ضرر فيه، إنما الضرر في مقدماته، وهي المرض، ثم إنه لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب التي تستحقر دونها الحياة الدنيوية، وخلاص من أنواع المحن والبلية؛ ولأن المرض في غالب الأمر، إنما يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه، ومشاربه، وبما بين الأخلاط والأركان من التنافي، والتنافر، والصحة إنما تحصل باستحفاظ اجتماعها، والاعتدال المخصوص عليها قهرا، وذلك بقدرة العزيز الحكيم. انتهى.

الإعراب: {وَإِذا:} الواو: حرف عطف. (إذا): ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {مَرِضْتُ:}

فعل، وفاعل، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها على المشهور المرجوح.

{فَهُوَ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (هو): مبتدأ، وجملة: {يَشْفِينِ} في محل رفع خبره، وإعرابها مثل إعراب {يَهْدِينِ،} والجملة الاسمية: {فَهُوَ يَشْفِينِ} جواب (إذا) لا محل لها. و (إذا) ومدخولها معطوف على جملة: {يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} لا محل له مثلها.

{وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١)}

الشرح: {يُمِيتُنِي} أي: في الدنيا. {ثُمَّ يُحْيِينِ} أي: يوم القيامة للحساب، والجزاء.

هذا؛ وقال النسفي-رحمه الله تعالى-: ولم يقل: إذا مت؛ لأنه الخروج من حبس البلاء، ودار الفناء إلى روض البقاء لوعد اللقاء، وأدخل: {ثُمَّ} في الإحياء لتراخيه عن الإفناء، وأدخل الفاء في الهداية، والشفاء؛ لأنهما يعقبان الخلق، والمرض. انتهى. هذا؛ وتجوز أهل الإشارات في غوامض المعاني، فعدلوا عن ظاهر اللفظ، وتأولوا الآية الكريمة على ثلاثة أوجه:

أحدها: الذي يميتني بالمعاصي، يحييني بالطاعات. الثاني: يميتني بالخوف، يحييني بالرجاء.

الثالث: يميتني بالطمع، يحييني بالقناعة، وقول رابع: يميتني بالعدل، يحييني بالفضل. وقول خامس: يميتني بالفراق، يحييني بالتلاق. وقول سادس: يميتني بالجهل، يحييني بالعقل، إلى غير ذلك مما ليس بشيء منه مراد من الآية، فإن هذه التأويلات الغامضة، والأمور الباطنة، إنما

<<  <  ج: ص:  >  >>