للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النّارِ (١٦)}

الشرح: هذه الآية الكريمة، والتي بعدها تصفان المتّقين الذين أكرمهم الله بالخلود في دار النعيم. {رَبَّنا إِنَّنا آمَنّا} أي: صدقنا بك، وبكتبك، وبرسلك، واليوم الآخر، وبملائكتك، وقضائك، وقدرك خيره، وشره. {فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا:} سيئاتنا، ومعاصينا. والذنب يطلق على مخالفة الله فيما أمر، وفيما نهى عنه، وهو على درجات، منها: الصغائر، ومنها: الكبائر، وتفصيلها معروف في محالّها. هذا؛ وذنوب بالمعنى المتقدّم بضم الذال، وهو بفتحها بمعنى النصيب، قال تعالى في سورة (الذّاريات) رقم [٥٩]: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ}. وهو أيضا الدّلو العظيمة في الأصل، قال الراجز: [الرجز]

إنّا إذا شاربنا شريب... له ذنوب ولنا ذنوب

فإن أبى كان له القليب

{وَقِنا:} فعل دعاء من الوقاية، وهي التحرّز من المهالك في الدنيا، والآخرة، وصيغته صيغة أمر، فهو من اللّفيف المفروق: «وقى، يقي» فتحذف فاؤه من المضارع مثل كلّ فعل مثال، كوعد، يعد، ووزن، ويزن... إلخ، والأمر منه: اوقنا بهمزة وصل، حذفت منه الواو، كما حذفت من مضارعه، واستغني عن همزة الوصل لتحرك الحرف المبدوء به، وتحذف لامه مع فائه لبنائه على حذف حرف العلة مثل كلّ فعل ناقص معتلّ الآخر، مثل: اسع، وادع، وارم. فيبقى فعل الأمر فعلا واحدا (ق) ومثله: وعى، يعي، ع، ووفى، يفي، ف، وولي، يلي، ل، ووطى، يطي، ط، ووأى يئي إ. قال: «أبو يعقوب بن يوسف الدباغ الصقلي» وهو الشاهد رقم [١٣] من كتابنا فتح القريب المجيب: [الخفيف]

إنّ هند المليحة الحسناء... وأي من أضمرت لخلّ وفاء

«إنّ» أصله: «إينّ» بمعنى: «عدي» فحذفت الياء لالتقائها ساكنة مع النون المدغمة. «وأي»:

وعد.

وإذا لم يتصل به ضمير تلحقه هاء السكت. فتقول: قه، فه، له، عه، طه، إه، وبه يلغز، كما في قول القائل: [الرجز]

في أيّ لفظ يا نحاة الملّه... حركة قامت مقام الجمله؟

هذا؛ و {عَذابَ} اسم مصدر لا مصدر؛ لأن المصدر تعذيب؛ لأنه من: عذّب، يعذّب، بتشديد الذال فيهما، وقيل: هو مصدر على حذف الزوائد، ومثله: عطاء، وسلام، ونبات، من:

أعطى، وسلّم، وأنبت. هذا؛ والعذاب: كل ما شقّ على الإنسان احتماله، ومنعه من مراده، وهو النّكال: وزنا، ومعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>