للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، وجملة: {كانُوا..}. إلخ في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية: {إِنَّهُمْ..}. إلخ تعليل للنعم المذكورة في الجمل قبلها. وقال الجمل: علة لمحذوف؛ أي: نالوا ما نالوا؛ لأنهم كانوا يسارعون... إلخ. {وَيَدْعُونَنا:} مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، و (نا): مفعوله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مثلها. {رَغَباً:} مفعول لأجله، أو هو حال بمعنى راغبين، أو هو مفعول مطلق، عامله يدعوننا على المعنى دون اللفظ؛ لأنه نوع منه. {وَرَهَباً:} معطوف على ما قبله، على جميع الاعتبارات فيه، وجملة {وَكانُوا لَنا..}. إلخ معطوفة على جملة: {كانُوا يُسارِعُونَ..}. إلخ، فهي في محل رفع مثلها، وإعرابها مثلها، والجار والمجرور: {لَنا} متعلقان ب‍: {خاشِعِينَ} بعدهما. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَاِبْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١)}

الشرح: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها} أي: واذكر مريم التي أحصنت فرجها؛ حيث لم يقربها رجل بزواج، أو زنى، وإنما ذكرها، وليست من الأنبياء ليتم ذكر عيسى عليه السّلام، ولهذا قال: {وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ} ولم يقل: آيتين؛ لأن معنى الكلام: وجعلنا شأنهما، وأمرهما، وقصتهما آية للعالمين. وقال الزجاج: إن الآية فيهما واحدة؛ لأنها ولدته من غير فحل، وانظر الآية رقم [٥٠] من سورة (المؤمنون) فالكلام فيهما واحد، والمعنى واحد.

هذا؛ وقيل: إن من آياتها: أنها أول امرأة قبلت في النذر في المعبد، ومنها: أن الله عز وجل غذاها برزق من عنده، لم يجره على يد عبد من عبيده. ومعنى: {أَحْصَنَتْ} عفت، وامتنعت من الفاحشة. هذا؛ وقيل: إن المراد بالفرج فرج القميص؛ أي: فتحة الثوب. قال السهيلي: فلا يذهبن وهمك إلى غير هذا، فإنه من لطيف الكناية؛ لأن القرآن أنزه معنى، وأوزن لفظا، وألطف إشارة، وأحسن عبارة من أن يريد ما يذهب إليه وهم الجاهل، لا سيما والنفخ من روح القدس بأمر القدوس، فأضف القدس إلى القدوس، ونزه المقدسة المطهرة عن الظن الكاذب، والحدس.

{فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا} أي: أمرنا جبريل أن ينفخ في فرج ثوبها الأعلى، فأحدثنا من ذلك النفخ المسيح في بطنها، ولا تنس: قوله تعالى في سورة (التحريم): {فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا} والضمير يعود إلى فرجها بلا ريب، ولا يحتمل ما ذكره السهيلي من التأويل، فقد قال الجلال في تفسير قوله تعالى: {فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا} أي: جبريل حيث نفخ في جيب درعها بخلق الله تعالى فعله الواصل إلى فرجها فحملت بعيسى، عليهما السّلام. قال الجمل: ومعنى «خلقه»:

إيصال أثره، وهو الريح، والهواء الحاصل به إلى فرجها. فمعنى: {فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا} أوصلنا إليه الريح، والهواء الخارج من نفس جبريل لمّا نفخ في جيب قميصها. تأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>