للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقريع، والتوبيخ، والقول مقدر؛ أي: أتقولون: اتخذ... إلخ. {وَأَصْفاكُمْ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (الله)، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها. {بِالْبَنِينَ:} متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الياء؛ لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.

{وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧)}

الشرح: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً} أي: بالجنس الذي جعله له مثلا؛ أي:

شبها؛ لأنه إذا جعل الملائكة جزآ لله وبعضا منه، فقد جعله من جنسه، ومماثلا له؛ لأنّ الولد لا يكون إلاّ من جنس الوالد، والمعنى: أنهم نسبوا إليه هذا الجنس، ومن حالهم: أن أحدهم إذا قيل له: قد ولدت لك بنت؛ اغتم واربدّ وجهه غيظا، وتأسفا، وهو مملوء من الكرب. وعن بعض العرب: أن امرأته وضعت أنثى، فهجر البيت الذي فيه المرأة، فقالت: [الرجز]

ما لأبي حمزة لا يأتينا؟ ... وإنما نأخذ ما أعطينا

حكمة ربّ ذي اقتدار فينا

{ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا:} صار وجهه أسود في الغاية؛ لما يعتريه من الكآبة. هذا؛ وقرئ «(مسودّ)» و «(مسوادّ)» برفعهما. {وَهُوَ كَظِيمٌ:} ممتلئ غيظا، وغما من سوء ما بشر به. قال الإمام الفخر الرازي: والمقصود من الآية التنبيه على قلة عقولهم، وسخافة تفكيرهم، فإن الذي بلغ حاله في النقص إلى هذا الحد، كيف يجوز للعاقل إثباته لله تعالى. هذا؛ وانظر الآيتين [٥٨] و [٥٩] من سورة (النحل) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.

هذا؛ و (أحد) أصله: وحد؛ لأنّه من الوحدة، فأبدلت الواو همزة، وهذا قليل في المفتوحة، إنما يحسن في المضمومة والمكسورة، مثل قولهم: وجوه، وأجوه، ووسادة، وإسادة، وهو مرادف للواحد في موضعين: أحدهما: وصف الباري جلّ علاه، فيقال: هو الواحد، وهو الأحد. والثاني: أسماء العدد، فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون. وفي غير هذين الموضعين يفرق بينهما في الاستعمال، فلا يستعمل أحد إلاّ في النفي، وهو كثير في الكلام، أو في الإثبات مضافا، كما في قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} بخلاف الواحد. وقولهم: ما في الدار أحد هو اسم لمن يعقل، ويستوي فيه المفرد والمثنى والجمع، والمذكر، والمؤنث، قال تعالى في سورة (الأحزاب): {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ} وقال جلّ ذكره في سورة (الحاقة): {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>