الأولين: مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: بالذي، أو: بشيء كنتم تعملونه، وعلى اعتبارها مصدرية تؤول بما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بسبب عملكم الكفر، والمعاصي والموبقات. {كُنْتُمْ:}
فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه، وجملة (تعملون) في محل نصب خبره، وجملة:
{(ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ...)} إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها.
الشرح: قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: هذه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ أي: إنهم لإلفهم الكفر لا يؤمنون بك، إنما يؤمن بك وبالقرآن المتدبرون له، والمتعظون به، وهم الذين إذا قرئ عليهم القرآن خروا سجدا. انتهى.
{إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا:} آيات القرآن. {الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها:} وعظوا بها، وخوّفوا من عقاب الله، أو بشّروا برحمة الله. {خَرُّوا سُجَّداً:} وقعوا على الأرض ساجدين لله خوفا من عذابه وعقابه، أو سقطوا على وجوههم تعظيما لأمر الله، وشكرا لنعمه، وفي سورة (الإسراء){إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً} رقم [١٠٧]، وفي رقم [١٠٩]: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}.
{وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي: نزهوه، وحمدوه، فخلطوا التسبيح بالحمد، فقالوا في جميع حركاتهم، وسكناتهم وفي جميع أحوالهم: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم». رواه الستة ما عدا أبا داود. {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} عن الإيمان، والطاعة، كما استكبر أهل مكة عن ذلك.
تنبيه: هذه الآية هي العاشرة عند الشافعي، والتاسعة عند أبي حنيفة رحمهما الله تعالى من الآيات الأربع عشرة التي يسن السجود عند قراءتها للقارئ، والسامع، والمستمع، والدليل على ذلك هو سجود النبي صلّى الله عليه وسلّم، فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة، فيسجد، ونسجد معه حتّى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته في غير وقت صلاة». متفق عليه. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إذا قرأ ابن آدم السّجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، ويقول: يا ويلتا! أمر ابن آدم بالسجود، فسجد، فله الجنّة، وأمرت بالسجود، فأبيت فلي النّار». رواه مسلم.